‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل

السبت، 24 ديسمبر 2011

الاسلام و الدولة المدنية... بقلم:الناصر خشيني

                                   



الاسلام و الدولة المدنية
*
*
*ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأديان السماوية متطورة تبعا للتطور الاجتماعي
الذي ينطلق من الأسرة فالعشيرة فالقبيلة فالأمة ثم المجتمع الإنساني ككل كآخر
مرحلة في التطور الاجتماعي للبشرية و تبعا لذلك كانت الديانات الأولى السابقة
على الإسلام محدودة بحدودها الاجتماعية الضيقة فكانت ديانات قبلية وعشائرية
حسب المنظومات الاجتماعية وقتذاك ويؤكد على هذه الحقيقة العلمية والتاريخية ما
ذهب إليه القرآن الكريم عندما يشير في أكثر من موطن إلى ذلك بقوله تعالى (و
لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ) 45 النمل و قوله تعالى (
والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ) 81 هود وقوله جل وعلا (وإلى
عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ) 165 الأعراف وكانت دعواتهم مرتبطة من
حيث الإعجاز بالمستوى الفكري الذي عليه القوم وهو مستوى فكري لا يزال بسيطا
فمعظم المعجزات السابقة على الإسلام كانت مادية ملموسة لتناسب العقل الطفولي
الذي كانت عليه البشرية حينها ومن حيث المعالجات للمشكلات القائمة كانت أيضا
بسيطة الى حد ما تبعا لعدم تعقد و تطور الحياة فهي لا تعدو أن تكون دعوة الى
عبادة الله و الانتهاء عن منكر يفعلونه كأهل مدين الذين يطففون الكيل و
الميزان او قوم لوط الذين يرتكبون الفواحش وبذلك لم تكن دعوات الرسل قبل
الاسلام عامة ولا شاملة ولا معجزاتهم عقلية مستمرة بل هي محدودة زمانا و مكانا
و اهدافا ذلك أن هناك استراتيجية إلهية في تدرج الأديان ونطورها تبعا لنسق
تطور المجتمعات البشرية .*
*
*
*ومن ذلك أن سيدنا موسى عليه السلام قد كان في وضع وسط بين القبلية القديمة
والتكليف الإلهي بالتوجه برسالته الى غير قومه اذ يدعو ربه أن يشدد أزره بأخيه
هارون- تناسقا مع المنحى القبلي الذي كان ولا يزال يعيشه بنو إسرائيل حتى الآن
اذ تصرفاتهم في فلسطين المحتلة تؤكد طبيعتهم القبلية المتخلفة – ليتمكن من
ابلاغ رسالته المنحى الجديد الذي يكلفه الله به وهو التوجه الى غير بني
اسرائيل حيث كلف بتبليغ دعوته إلى شعب مصر في شخص ملكها فرعون الذي كان يدعي
الربوبية قال تعالى استجابة لرغبة موسى عليه السلام (سنشد عضدك بأخيك ونجعل
لكما سلطانا ) 35 القصص وتبعا لذلك كلفهما بقوله تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه
طغى) 43 طه وبذلك يكون موسى قد دشن عهدا جديدا في النبوات وهو الخروج عن
النطاق القبلي الضيق الى نطاق أوسع وهو مخاطبة شعب مصر ولكن هل حافظ اليهود
المعاصرون على روح رسالة موسى الداعية الى التوحيد ونبذ الطغيان اللهم لا و
ممارسات الدولة الصهيونية في المنطقة العربية و العالم خير شاهد على هذه
القطيعة من حيث حجم الجرائم التي ترتكبها وارتكبتها ضاربة عرض الحائط بكل
الشرائع و الأديان .*
*
*
*ثم تأخذ الديانات طورا آخر أكثر عموما بدعوة عيسى عليه السلام رمز الرحمة و
التسامح اذ يقول عليه السلام (إذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك
الأيسر) و بذلك يكون قد فتح بعدا جديدا للإنسانية أكثر شمولا و عموما من رسالة
موسى في نطاق التطور الجدلي للأديان من حيث التوسع في المضمون و التوجه تهيئة
للدور العظيم المناط بخاتم الرسالات رسالة سيدنا محمد عليه السلام حيث هي
رسالة عامة للناس قاطبة وهكذا كان دين الله دينا عالميا عاما للبشرية قاطبة
فلا يخص جنسا معينا أو هو لأمة من الأمم دون بقية الناس أو لقبيلة من دون
الناس جميعا فهو لكافة الناس كما قال تعالى في محكم تنزيله : ( وما أرسلناك
إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28 سبأ وهو بهذا المعنى ملكية مشتركة للبشرية
جمعاء لأنه يناهض العنصرية والقبلية و التعصب و العرقية حيث أشار الرسول عليه
السلام إلى أنها منتنة فلا بد من تركها استجابة لتوجيهاته عليه السلام في حين
كانت بقية الديانات السماوية السابقة لا تشاركه هذه الميزة الأساسية فيه لأنها
بكل بساطة موجهة لأقوام الرسل وقبائلهم وعشائرهم من دون الناس وذلك أن
المجتمعات البشرية في تلك الأوقات كانت من الناحية الإجتماعية ضمن المراحل
الأولى للتطور الإجتماعي انطلاقا من الأسرة فالعشيرة فالقبيلة إلى الأمة حاليا
والمجتمع الإنساني مستقبلا فكانت تلك الديانات خاصة تبعا للأطوار الإجتماعية
وقتها وبناء عليه فالإسلام يتميز عنها أيضا بمميزات أخرى فما هي ؟*
*
*
*كما أنه دين شامل لكل جوانب الحياة الدنيوية والأخروية قال تعالى : ( اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) 3 المائدة بحيث
لم يفصل بين الدين و الدنيا و العبادة و الحياة فالكل عنده سواء في المفهوم
الإسلامي من حيث صلة الحياة بالعبادة وذلك أن العمل عبادة و البحث العلمي
عبادة و الزواج إكمال لنصف الدين و الطلاق إلتزام بأحكام الشرع وسائر العقود
عبادة و الأخلاق الفاضلة عبادة بحيث تستحيل حياة الإنسان من أول مولده إلى ما
بعد وفاته إلى إلتزام بأحكام الدين وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى حالة
ذلك الصحابي الذي كان يكثر من المكوث في المسجد للصلاة فلما سأل عنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم من يعوله فقيل له أخوه فقال أخوه أعبد منه وبناء عليه شملت
تعاليم ديننا الحنيف كل المجالات كالعقيدة و العبادات و المعاملات والأخلاق .*
*
*
*كما أن الدين الإسلامي من ناحية أخرى هو دين الواقعية من حيث مراعاة ظروف
الإنسان و مدى قدرته على أداء التكاليف في ظروف مريحة دون إرهاق بدني او نفسي
فالله تعالى لايكلف نفسا إلا وسعها ومن هنا فهو دين اليسر لا العسر و رفع
الحرج و المشقة عن الناس و جلب التيسير لهم سواء في العقيدة بحرية التدين قال
تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة أو في
العبادات من حيث كافة أنواع التيسير فيها وهي من الأمور المعلومة من الدين
بالضرورة وفي مجال المعاملات فهناك إقرار لمبدأ اليسر و الضرورات تبيح
المحظورات والمشقة تجلب التيسير .*
*
*
*كما أنه دين المناسبة للفطرة أي الطبيعة الأصلية للإنسان بحيث لم يقع قمع
مطالب الإنسان الحيوية كالتمتع بطيبات الحياة المشروعة كالمأكل و الملبس و
السكن و التمتع بالجنس و التمتع بالحرية الكاملة فالإسلام سمح بها جميعا بعد
أن هذبها و نظمها و ترك الإنسان يعيش حياة طبيعية .*
*
*
*ثم إن هذا الدين و بالنظر لهذه الخاصيات فإنه آخر الديانات فمن الطبيعي أن
يكون دين الحرية و إعمال العقل و القرآن الكريم حافل بهذا المجال ما في ذلك من
شك لذا فهو دين الإنسانية ومستقبل البشرية لن يكون في أفضل حال بدونه وقد بشر
الله المؤمنين بالاستخلاف في الأرض بقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم
دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي
شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) 55 النور*
*
*
*ومن هذا المنطلق لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الإسلام بهذه المواصفات هو بكل
تأكيد دين الرحمة والحرية و الإبداع الإنساني تحقيقا للأهداف الكبرى التي من
أجلها خلق الله الإنسان الا وهو دوره في خلافة الله في الأرض و عمارة الكون في
نطاق القيم الكبرى من عدل و إخاء و تعاون .*
*
*
*لذا فهم اسلافنا حقيقة الدين الجوهرية من نقطة الحرية هذه و انطلقوا فاتحين
لا مستعمرين يبشرون بحضارة العدل والحق و الحرية في إطار من الاجتهاد البشري
لا متعسفين و لا ملغين لغيرهم ولا مقصين لمخالفيهم وقد نظروا في العقيدة
الإسلامية بعقولهم فلم تتفق مواقفهم البشرية فاختلفوا فرقا جميعها تعبد إلها
واحدا ونظروا في الشريعة بأفكارهم البشرية فاختلفوا فيها إلى مذاهب فقهية
متعددة دون الخروج عن القاعدة الأساسية التي تحكمهم جميعا وهي الاحتكام للقرآن
و صحيح السنة النبوية وبهذه الأفكار التقدمية و التحررية في التعامل مع
الشريعة السمحة و التي تؤمن بمكانة الإنسان خليفة الله في الأرض امكن لهم بناء
أرقى حضارة لا تزال آثارها فاعلة و مؤثرة إلى الآن ولكن المسلمين لما توقفوا
عن هذه الحرية الفكرية وانساقوا إلى اتجاه فكري واحد و تعصب كل منهم لموقفه
الفكري ظنا منه أن ذلك هو حقيقة الدين وهو لا يعدو كونه موقفا بشريا وكانت
النتيجة مأساوية للأمة إذ آل أمرها إلى الانحطاط و التردي و لم يستفق المسلمون
إلا و الأوروبيين الذين انهزموا أمامهم في الحروب الصليبية يعودون من جديد
لاحتلال بلدانهم و تمزيقها و انتهاب خيراتها .*
*
*
*وكان رد فعل الأمة متمثلا أساسا في حركة النهضة وإسهامات روادها الأوائل سواء
في المشرق أو المغرب العربي وهكذا عادت إلى الساحة العربية و الإسلامية
العقلانية الإسلامية التي كانت سببا في نهضة الأمة قديما ومن شأنها أن تنير
سبيل الأمة حاضرا و مستقبلا .*
*
*
*وهكذا اذن يكون الدين الإسلامي هو الدين الإلهي العام و الشامل والخاتم و
المتناسب مع التطور العقلي للبشرية والذي يبشر البشرية بعهد من العدل والحق
الذي عرفت البشرية البعض من آثاره عندما كانت الإمبراطورية الإسلامية هي
المهيمنة على العالم وسوف تسود هذه القيم والمعايير النبيلة كل البشرية عندما
تتمكن الأمة العربية الإسلامية من إسقاط المشروع الصهيوامريكي الذي يتهاوى
الآن تحت ضربات المقاومة الباسلة في كل من العراق و فلسطين حيث بشائر الخير
تطل علينا من بين ثنايا الخراب والدمار الذي تحدثه هذه القوى الباغية .*
*
*
*الدين الخاتم*
*
*
*هكذا نفهم اذن أن الديانات السماوية قد تطورت تبعا لتطور المجتمعات البشرية
اذ كانت متناسبة مع الواقع الاجتماعي في اتجاه اصلاحه على مستوى العقيدة
بالدعوة الى التوحيد أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت وذلك بعد أن غرقت فطرة
الانسان البدائي القديم في غياهب الجهل والظلمات و انحرفت عن النهج القويم
فجاءت الديانات السماوية لاصلاح هذا الخلل و تقويم هذا الاعوجاج في الاتجاه
الصحيح و كانت تلك الديانات خاصة في توجهها لأقوام الرسل وذلك أن المجتمعات
البشرية كانت في مراحل التطور الاجتماعي الأولى اذ مازالت في العهود القديمة
لم تغادر الطور العشائري والقبلي فمن الطبيعي أن تكون الديانات الموجهة اليهم
تبعا لهذا الطور الاجتماعي كما كانت مضامينها بسيطة في توجهاتها الاصلحية اذ
كانت موجهة أساسا لاصلاح الخلل المؤثر في المجتمع وقتها و حتى معجزاتهم كانت
مادية ملموسة تبعا للمستوى العقلي المتدني للعقليات وقتها .*
*
*
*أما الاسلام فقد جاء في فترة هامة بالنسبة للبشرية حيث بلغت مرحلة النضج
العقلي وقد تطورت الديانات شيئا فشيئا لتصل الى الدين الخاتم والنهائي والذي
لا بد أن يكون عاما شاملا خاتما مناسبا للفطرة كما أشرت سابقا .*
*
*
*و من الطبيعي لدين هذه مواصفاته حيث جعله الله الدين الخاتم أن يعتمد على أمر
آخر ليضمن بقاءه و استمراره تحقيقا للغاية الكبرى ألا و هي خلافة الله في
الأرض و قد استدعت هذه الخلافة مؤهلات عديدة من أهمها العقل البشري و الحرية و
الارادة الانسانية وقد بحثت هذه الأمور كثيرا في عديد الكتب التي اهتمت بمبحث
الخلافة لذا ينصح بمراجعتها في مظانها ولكن الذي يهمنا الآن ماهو التحول الذي
أحدثته الهجرة النبوية في الانتقال من طور الى طور آخر في اتجاه ثوري خلاق
احدث حالة ثورية مستمرة في البشرية وأحدث تغيرا نوعيا في حياة الناس وكان
منعرجا حاسما في تاريخ البشرية إذ لأول مرة في التاريخ الإنساني تنتصر إرادة
المقهورين و المغلوبين على أمرهم على حساب الطغاة و المستبدين من الحكام
والأباطرة والأغنياء بإرادة بشرية ذاتية وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد تدخل
مباشرة في العصور السابقة انتصارا لرسله و صحابتهم من المؤمنين أمام عجزهم عن
مواجهة الطغيان لذا ينزل الله عقابه الإلهي بتلك الطغمة الظالمة و الكافرة و
المتجبرة بشكل مباشر و فوري فيسلط عليهم غضبه بالطوفان و الأعاصير العاتية و
زلزلة الأرض تحت أقدامهم ولكن بمجيء الرسالة المحمدية الخالدة تتغير المعطيات
في اتجاه آخر بحيث يقرر الله شانا جديدا للبشرية ويقرر أن أمة محمد صلى الله
عليه وسلم خير الأمم بقوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ) 110آل عمران*
*
*
*فكونها خير الأمم لا للونها أو لغتها أو عرقها أو ثرواتها وإنما مكمن الخيرية
فيها من خلال القيم والمثل العليا التي تتحلى بها وهي الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر والايمان بالله كما أنه من ناحية أخرى يقرر بشكل نهائي قاطع (إن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11الرعد وكذلك فهو ( بان الله لم
يك مغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 53 الأنفال وبهذا المعنى
تصبح الأمة الإسلامية على مر الزمن وفي كل مكان مسؤولة عن إنجاز المسؤولية
الكبرى الملقاة على عاتق البشرية منذ خلقها الله إلى أن يرث الله الأرض وما
عليها والمتمثلة في خلافة الله في الأرض ومن الطبيعي أن تقوم الجماعة المؤمنة
بدورها كاملا في إحداث التغيير الثوري المناهض لحالة الظلم والاستبداد التي
عرفتها البشرية في العهود السابقة فكانت الهجرة النبوية انتقال ثوري وفعل
إنساني مؤثر في حركة التاريخ وبدل أن يكون في اتجاه تسلطي استبدادي إذا به
مقاوم لهذا النهج البشري الفاسد و المنحرف ومؤذن بقيام نهج الهي يحقق مبدأ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. *
*
*
*فلننظر الآن ما هي الإنجازات العملاقة التي حققتها الهجرة النبوية .*
*
*
*الهجرة النبوية*
*
*
*بالنسبة للهجرة ذاتها والاعداد المادي لها بشريا و عقلانيا دون انتظار معجزة
مادية تلوي الأعناق كما كان يحصل سابقا لدى الرسل السابقين اذ هناك مرحلة
جديدة في تاريخ البشرية يفتتحها الرسول صلى الله عليه وسلم فبالرغم من ضعف
امكانياته المادية بالقياسات البشرية من حيث المال والسلطة والجاه حيث كانت كل
حسابات موازين القوى راجحة لفائدة الصف المعادي وبالرغم من اعتماده على الله
سبحانه و تعالى الذي وعده بالحماية و العصمة من الناس و لكنه مع ذلك كان واعيا
تمام الوعي بطبيعة المرحلة الجديدة التي يمثلها والتي ينبغي عليه أن يقوم
بواجباته ازاءها لا كرسول فقط بلو أيضا كانسان خليفة لله و مسؤول عن دوره
المنط بعهدته كبشر في وقت لم يعد ممكنا انتظار معجزات مادية ملموسة كما كان
سابقا اذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بالرغم من امكانياته البشرية القليلة
العدد والمادية المتواضعة فقد عرف كيف يعد العدة للخروج من عنق الزجاجة بعد أن
أحكمت قريش محاصرته على جميع الأصعدة ووظفت كل امكانياتها لهذا الحصار ولكن مع
ذلك لم يستسلم و لم ينهزم بل قاوم و عرف كيف كيف يخرج من ذلك المأزق و هذا
الدرس من الرسول صلى الله عليه وسلم تطبقه الآن بحذافيره حاليا ثلاثة شعوب
اسلامية محتلة هي افغانستان و الصومال و العراق فبالرغم من هزيمة جيوشها
النظامية التقليدية في الحرب و تكالب القوى العالمية عليها عسكريا واعلاميا
وسياسيا من خلال القرارات الظالمة للأمم المتحدة و المنظمات الاقليمية و
الدولية و لكنها كشعوب اسلامية و قد تشبعت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم و
نضاليته في أحلك الظروف و أشدها ماساوية و مع ذلك واصلت نضالها و مقاومتها و
انها الآن تسدد ضربات موجعة للأحلم التوسعية للمشروع الصهيو أمريكي في العالم
و قد تجهز علية في أوقات لاحقة باذن الله .*
*
*
*قلت اذن ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعد العدة اللازمة للهجرة الثورية
ليس فرارا من المواجهة و انما بحثا عن أفضل الفرص لمواصلة الاشتباك مع العدو و
انهاكه و الاجهاز عليه في اللحظة المناسبة كما فعلت كل الشعوب المغلوبة على
أمرها أثناء الحن و الأزمات القاسية التي تمر بها بحيث تقاوم وتناضل حتى تحقق
ارادتها .*
*
*
*واني لست بحاجة الى الحديث عن كل مراحل الهجرة النبوية و ما قام به الرسول
صلى الله عليه وسلم من أعمال بشرية فهي متيسرة للقارىء في كتب السيرة النبوية
فيمكن لمن شاء أن يعود اليها في مظانها وانما الذي يهمنا أن العناية الإلهية
بالرسول صلى الله عليه وسلم أثناء هذه الهجرة و الاعداد لها لم تكن غائبة عن
الرسول صلى الله عليه وسلم و انما كانت حاضرة في ذهنه و فلبه و هذا من العوامل
النفسية و المعنوية التي ساعدته على انجاز هذا الفعل التاريخي المشهود له
بالجرأة و الشجاعة و البطولة اضافة الى أنه يستلهم القرآن الكريم و يطبقه
بحذافيره اذ كان خلقه القرآن .*
*
*
*دولة المدينة*
*
*
*من المعلوم أن القرآن الكريم ينقسم الى مكي و مدني وكذلك حياة الرسول صلى
الله عليه وسلم حيث كانت الفترة الأولى ثلاثة عشر سنة وهو يدعو كفار قريش دعوة
مسالمة الى الله دون حصوله على نتائج تذكر اذ لم يستعمل معهم سوى الدعوة
بالطرق اللينة كما أمره الله بذلك و لكن النتائج كانت هزيلة للغاية اذ لم يؤمن
بدعوته سوى عدد قليل من العبيد وضعفاء الحال من الذين لا يملكون مالا أو جاها
في قريش وتبعا لذلك تعرضوا لشتى أنواع التعذيب و الأذى الذي نعلم عنه الكثير
ومع ذلك فان هذه القلة المؤمنة لم ترضخ و لم تستسلم بحجة أن موازين القوى ليست
لصالحهم بل صبروا وأظهروا شجاعة نادرة في التصدي لرموز الكفر و الطغيان من
قريش و كشفوهم على حقيقتهم أمام الناس وقد هاجر العديد منهم الى الحبشة مرتين
ثم عندما ياذن الله بالهجرة الى المدينة و يهيىء الرسول نفسه للالتحاق بهم عبر
الاتفاق المسبق مع اهل المدينة في بيعة العقبة الأولى و الثانية فاننا نكون
ازاء دروس مستفادة من هذا التصرف النبوي الحكيم فانه لم يغامر بنفسه وصحابته
منذ الاتفاق الأول الذي حصل مع عدد قليل من أهل المدينة بل انتظر سنة اخرى حتى
جاءه عدد أكبر لتاكيد و توثيق الاتفاق الأول بأكبر عدد ممكن من الأنصار له في
المدينة ضمانا لدعوته وصحابته كما كان صلى الله عليه وسلم ومعه كل من أبي بكر
وعلي بالرغم من صغر سنه يمثلون القيادة العليا للجماعة المؤمنة دينيا و سياسيا
فان القيادة النبوية لم تؤمن نفسها بالانسحاب قبل جماعتها بل ان القيادة ظلت
في اتون المواجهة حتى آخر لحظة اذ الانسحاب من المواجهة يتطلب التأمين الكامل
للقواعد ثم انسحاب القيادة أخيرا و هو نموذج فريد للمواجهة لم تعهده الدعوات
الدينية و الحركات السياسية من قبل و لا بعد حيث من العادة أن تؤمن القيادة
نفسها و تضحي بالأتباع ولكن في الحالة الثورية لرسول الاسلام صلى الله عليه
وسلم يحصل العكس تماما, القيادة تؤمن جماهيرها أولا ثم تلتحق بهم بعد ذلك و
هكذا يفعل الأبطال دائما وقد انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى
المدينة انسجاما مع قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) و
قوله تعالى ( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم وما كنا نعمل
من سوء ) 28 النحل . بحيث يتبين من خلال هذه الآيات الكريمة مسؤولية البشر
المظلومين والمسحوقين أمام الله ان لم يغيروا الظلم و الباطل و الجبروت المسلط
عليهم و لو بالهجرة فان أرض الله واسعة و كلها محل لاحداث النغيير الثوري
البناء للانسان المؤمن فقد جعلها الله جميعا كما قال الرسول صلى الله عليه
وسلم مسجدا و طهورا ليمارس عليها الانسان دوره في تحقيق الانجازات العملاقة
التي تليق به كانسان خليفة لله و في حال الضعف والاستسلام و الخنوع فان أولئك
مأواهم جهنم و ساءت مصيرا و هناك استثناء وحيد للمستضعفين من الرجال و النساء
و الأطفال الذين لا يجدون حيلة أو قدرة ومع ذلك فان الله قد يغفر لهم و قد لا
يغفر لهم فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و هكذا ينفرد الاسلام بقيم جديدة على
الساحة العالمية في رفضه للظلم و الدعوة لتغيير المنكر مهما كانت الصعوبات فلا
استكانة و لا هوان أمام الطغاة و المستبدين اذ الأفراد و الجماعات مهما كانت
الظروف و التحديات التي يواجهونها مسؤولون أمام الله تعالىعن رفع الظلم عن
أنفسهم ولا ينتظروا حتى تأتي معجزة من السماء تغير ما بهم فقد ولى ذلك العهد
الى غير رجعة بهذه الرسالة الخاتمة وهذا هو السر الحقيقي وراء انتصارات
المسلمين أثناء الفتوحات الكبرى بالرغم من عدم توازن القوى بينهم و بين
أعدائهم و ذلك أنهم فهموا أن لهم دورا رساليا في هذه الحياة لا بد من أدائه
على أكمل الوجوه و الا فان العقاب الالاهي ينتظر يوم القيامة اضافة الى بقاء
الحال على ماهو عليه في الدنيا دون تغيير . *
*
*
*من معالم العمل الثوري الذي أنجزه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة
اقامة أول دولة عربية اسلامية على أسس جديدة لم تكن مألوفة في تاريخ البشرية
فقد قامت على أساس التعاقد على خلاف الدول التي سبقته و لحقته حيث قامت على
أساس القوة المسلحة و ما أنجزه الرسول صلى الله عليه وسلم بمعية الصحابة يعد
انجازا تاريخيا غير مسبوق اذ تم على اساس تعاقدي عبر تلك الوثيقة التاريخية
الهامة وهي الصحيفة التي تعتبر أول دستور مدني تعاقدي مكتوب بين مواطني دولة
مدنية واحدة بقطع النظر عن الدين والعرق و المكانة الاجتماعية وفيما يلي نص
الصحيفة كماورد في كتب التراث:*
*
*
*قال ابن هشام : قال ابن إسحاق :وكتب رسول الله كتاباً([1]) بين المهاجرين
والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم على دينهم وأموالهم ،وشرط لهم واشترط عليهم : *
*
*
*" بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من
قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم:*
*
*
*إنهم أمة واحدة من دون الناس.*
*
*
*المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف
والقسط بين المؤمنين.*
*
*
*وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى،كل طائفة تفدى عانيها بالمعروف
والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة
منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث على ربعتهم([2])
يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين
المؤمنين،وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون
معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين،وبنو
عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها
بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النُبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم
الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الأوس على
ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط
بين المؤمنين.*
*
*
*وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً ([3])بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو
عقل([4]).*
*
*
*وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.*
*
*
*وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة([5])ظلم أو إثم أو
عدوان أو فساد بين المؤمنين وإن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم.*
*
*
*ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافراً على مؤمن.*
*
*
*وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.*
*
*
*وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.*
*
*
*وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.*
*
*
*وإن سلم المؤمنين واحدة،لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على
سواء وعدل بينهم.*
*
*
*وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً.*
*
*
*وإن المؤمنين يـبيء ([6])بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.*
*
*
*وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه.*
*
*
*وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن.*
*
*
*وإنه من اعتبط ([7])مؤمناً قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول.
*
*
*
*وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه.*
*
*
*وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر
محدثا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة
ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.*
*
*
*وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد.*
*
*
*وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.*
*
*
*وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين.*
*
*
*لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا
يوتغ([8]) إلا نفسه وأهل بيته.*
*
*
*وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف،وإن ليهود بني الحارث مثل ما
ليهود بني عوف ،وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بن عوف ،وإن ليهود بني جشم
مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف،وإن ليهود
بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل
بيته.*
*
*
*وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.*
*
*
*وإن لبني الشُطَيبة مثل ما ليهود بني عوف.*
*
*
*وإن البر دون الإثم وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.*
*
*
*وإن بطانة يهود كأنفسهم.*
*
*
*وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم .*
*
*
*وإنه لا ينحجز على نار جرح.*
*
*
*وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، إلا من ظُلم.*
*
*
*وإن الله على أبر هذا.*
*
*
*وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب
أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.*
*
*
*وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.*
*
*
*وإن النصر للمظلوم.*
*
*
*وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.*
*
*
*وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.*
*
*
*وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.*
*
*
*وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.*
*
*
*وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى
الله عز وجل وإلى محمد رسول الله.,*
*
*
*وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.*
*
*
*وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.*
*
*
*وإن بينهم النصر على من دهم يثرب.*
*
*
*وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه وإنهم إذا دعوا
إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم في
جانبهم الذي قبلهم.*
*
*
*وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض
من أهل هذه الصحيفة.-قال ابن هشام ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة-.*
*
*
*وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه .*
*
*
*وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.*
*
*
*وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم،وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة
إلا من ظلم أو أثم.*
*
*
*وإن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله صلى الله "([9]).*
*
*
*
*
*صحيفة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة*
*
*
*دراسة لمحتواها ودلالتها على تنظيمهم*
*
*
*اعتبر معظم الباحثين بمن فيهم المحدثون المعاصرون أن الصحيفة قد وصلتنا وحدة
متكاملة ولا يستبعد أنها كانت في الأصل مكونة من أقسام وضع كل منها في زمن،
وأن جمعها في كتاب واحد، هو من عمل الرواة، وليس من الأصل، وإذا صح هذا
الافتراض فإن الأقسام الأولى المتعلقة بتنظيم العرب المسلمين صدرت أولاً زمن
معركة بدر، أما الأقسام المتعلقة بتنظيم أمور القتال، فتكون قد صدرت متوافقة
مع معركة الخندق أو بعدها بقليل، علماً بأن معركتي أحد والخندق هددتا المدينة
وتطلبتا تنظيماً عاماً لأهلها بمن فيهم اليهود.*
*
*
*أشار القرآن الكريم إلى العهود والمواثيق بين المسلمين وفرقاء آخرين، وطلب في
كثير منها وجوب مراعاتها وتنفيذها، وندد بخرقها؛ ولعل كثيراً من هذه الآيات
تشير إلى هذه الصحيفة " وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً
" ( الإسراء:34) " الذين يُوفُونَ بِعَهد اِلله ولا يَنقُضُون المِيثاق "
(الرعد:20).*
*
*
*وأشار القرآن بالذم إلى من ينقض العهد " إنَّ الذيَن يشْتروُنَ بِعَهْدِ
اللهِ وأَيمانِهِم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهُم في الآخرةِ ولا يكلّمهم
اللُه ولا ينظُرُ إِليهم يومَ القيامِة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (آل
عمران 77)".*
*
*
*" أَوَ كُلّما عَاهدوا عَهداً نبذُه فريقٌ منْهم "(البقرة 100) " الذين
ينقضونَ عهَد اللهِ مْنَ بعدِ ميثِاقِه " ( البقرة27) " إن الذين يشترونَ
بعهدِ اللهِ وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئكَ لا خَلاق لَهمُ في الآخرة "(آل
عمران 77) وَما وَجْدنا لأكثرِهِم مِنْ عَهدٍ وإِنْ وَجدنا أكْثَرهُم لفاسقينَ
"(الاعراف102)" فَبِما نَقْضِهِم ميثاقَهُم وَكُفرِهم"(النساء155).*
*
*
*وذكر القرآن الكريم ولاء المؤمنين لبعضهم " والمؤمنونَ والمؤمناتُ بعضُهُم
أولياءُ بعضٍ " (التوبة:71)، يروي أنس بن مالك أن رسول الله عقد حلفاً بين
قريش والأنصار في بيته ويروي البلاذري أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم "
عند قدوم المدينة وادع يهودها وكتب بينه وبينهم كتاباً ".*
*
*
*تعالج الصحيفة عدداً من أحوال أهل المدينة ونظمها وتحدد بعض مسؤولياتهم في
النظام الجديد الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم.*
*
*
*طلبت الوثيقة إرجاع الحكم في الاختلاف إلى الله وإلى محمد، وذكر الله تعالى
في هذه البنود يسبغ عليه صفة قدسية عليا على كافة المسلمين واليهود. فهو قائم
على المبادئ الدينية المعززة للأخلاق، والمصالح العامة التي تتجلى في جانبها
العلمي على ما نزل فيه القرآن : أي على المبادئ الإسلامية التي يحددها ما
أنزله تعالى على الرسول صلى الله عليه وسلم. وسمي في البنود الثلاثة باسمه
محمد، وفي الفقرة (47) بإضافة كلمة رسول الله التي لم تذكر في البنود الأخرى
ولعلها إقحام من الناسخ وأن الاقتصار على اسمه فحسب إرضاء لمن تطبق عليه من
غير المسلمين بمن فيهم اليهود الذي خصت الوثيقة عدة بنود في تنظيم مشاركتهم:
وهذا يقضي أن يكون صدورها أو ما يتصل باليهود منها تم بعد معركة بدر. وقد يؤيد
هذا أن الوثيقة لم تذكر العشائر اليهودية الثلاث قينقاع والنضير وقريظة التي
أقصاها الرسول صلى الله عليه وسلم بين معركتي بدر والخندق ، علماً بأن فشل
مشركي قريش في معركة الخندق شد من عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال " لا
يغزونا بعد هذا أبداً " وكان هذا هو الواقع فقد تخلخل حماس مشركي قريش وضعفت
معنوياتهم، واتسع نشاط الرسول صلى الله عليه وسلم في مد سلطان دولته على
العشائر المقيمة بين المدينة ومكة وخاصة. وكل هذا يدل على أن الكتاب أول ما
يخص اليهود منه على الأقل صدر بعد معركة الخندق.*
*
*
*وهكذا نكون ازاء قانون دستوري توافقي بين كل مكونات المجتمع المدني القائم
موضوعيا في المدينة المنورة و ضواحيها النواة الأولى للدولة العربية الاسلامية
التي تتشكل ملامحها انطلاقا من القيادة النبوية الحكيمة لها و قد تأكدت لهذه
الولة الفتية كل مقومات الدولة التي اختلف المعاصرون حول تعريفها ويوجد في
الفقه القانوني أكثر من 150 تعريفا للدولة ففي اللغات اللاتينية نجدstate و
etat*
*
*
*بما يعني حالة الثبات و الاستقرار في حين أن المعنى اللغوي في العربية يفيد
التغير و التحول انسجاما مع قوله تعال (وتلك الأيام نداولها بين الناس )*
*
*
*وأما في الاصطلاح فقد اتفق معظم آراء فقهاء القانون الدولي على تعريفها من
خلال أركانها الأساسية وهي*
*
*
*1 الشعب وقد تأكد وجود شعب في دولة المدينة من خلال الوثيقة التوافقية التي
صدرت بالتأكيد عن جميع مكونات سكان المدينة و ضواحيها من مسلمين و غيرهم في
ذلك الوقت و لا يهم في تكوين الدول عدد الشعب اذ هناك دول معاصرة سكانها أقل
بكثير من دولة المدينة*
*
*
*2الاقليم أو الرقعة الأرضية حيث تمارس الدولة سيادتها وهي متوفرة في حالة
دولة المدينة ولكن في ذلك الوقت ليس هناك حدود دولية معترف بها بل ان الدول في
ذلك الوقت والى حدود القرن الماضي تعتمد فيرسم حدودها على قوة جيشها فالحدود
تتوسع و تضيق حسب قوة الدولة عسكريا وهو أمر مسلم به بين كل الدول المتواجدة
في تلك الفترة من الزمان وربما مثل هذا الأمر لا يزال قائما تمارسه دولة
الصهاينة في فلسطين و الجولان وامريكا تمارس الاحتلال في أفغانستان و العراق*
*
*
*3 السلطة أي ممارسة السيادة للشعب على أرضه دون تسلط أجنبي عليه وهو الوضع
الذي تكون في المدينة وضواحيها للعرب المسلمين ومن جاورهم من اليهود فيها في
ذلك الوقت*
*
*
*وهكذا تكتمل للدولة بالمدينة أركانها الأساسية المكونة لها اضافة الى الصحيفة
وهي عبارة عن أول دستور مدني مكتوب على أساس تعاقدي بين كل مكونات المجتمع
المدني الذي ارسى دعائمه الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك نقول والوقائع
التاريخية تسندنا أن الرسول ذاته لم يؤسس دولة دينية وفي هذا رد على القلة من
المسلمين وخاصة الشيعة منهم الذين لا يزالون يحلمون بتكون دولة دينية تحكم
بالحق الإلهي المقدس*
*
*
*لقد كانت حماية دولة المدينة (يثرب) مرتبطة باسقاط دولة الشرك فى مكة . و
كانت حماية الدولة الاسلامية فى جزيرة العرب مرتبطة بتحرير الشام من سلطة روما
، و كان الحفاظ على الشام مرتبط بالاطاحة بسلطة الرومان فى مصر ، و كان الحفاظ
على مصر مرتبط بازالة حكم الرومان فى شمال افريقيا حتى المغرب . و قد كان هذا
من أهم دوافع الفتح العربى الاسلامى المتتابع ، فقد كان الأوائل على أعلى
مستوى للفهم الاستراتيجى أو ما نسميه الآن الجغرافيا السياسية



                                       

الخميس، 15 ديسمبر 2011

وذكرهم بأيام الله: العاشر من رمضان.. من فتح مكة إلى تحرير سيناء


وذكرهم بأيام الله: العاشر من رمضان.. من فتح مكة إلى تحرير سيناء

في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المبارك لعام 1393 هجرية، الموافق للسادس من شهر أكتوبر 1973، عبر الجيش المصري قناة السويس، مستعيناً بالله، ليحطّم خط بارليف ويستعيد سيناء من

 يد المحتل الإسرائيلي.

تلك المفاجأة التي حققتها القوات المسلحة المصرية والتي أجمع معها قادة جيوش العالم بأن القوة المسلحة في حرب أكتوبر نجحت في (قهر المستحيل) بهزيمتها للجيش الإسرائيلي الذي
لا يقهر!!

وقد تضاربت أقوال العدو وأدلته وشهادات قادته، ففي مرحلة ساد القول (بأنهم رأوا ولكنهم لم يفهموا)! وفي رأي آخر ساد القول (بأنهم رأوا وفهموا ولكنهم لم يصدقوا).

وكأن ذلك يُصَدِّق قول الله تعالى:]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون.
.......


- في مثل هذا اليوم وقبل ثلاث سنوات من هجرة الرسول الكريم مُحَمّد (صلى الله عليه وسلّم) إلى المدينة، رحلت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ودفنت بالحجون في مكة وحزن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً.

هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين. ولدت بمكة ونشأت في بيت مجد وشرف ورياسة فنشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة واتصفت بالحزم والعقل والعفة فكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة.

تزوجت قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين باثنين من سادات العرب: عتيق بن عائذ المخزومي وأبي هالة هند بن زرارة التميمي.


كانت ذات مال وتجارة تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثها إلى الشام، وبلغها عن مُحَمّد بن عبد الله كرم أخلاقه وصدقه وأمانته فعرضت عليه الخروج في مالها إلى الشام مع غلامها ميسرة، فقبل وخرج في تجارتها وعاد بأرباح كبيرة، وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه وصفاته المتميزة فرغبت في الزواج منه وعرضت صديقتها نفيسة بنت منية عليه الزواج من خديجة فقبل وتزوجها، وكان عمره خمسة وعشرين عاماً وعمرها أربعين.

ولم يتزوج عليها غيرها طيلة حياتها وولدت له: القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، ولما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت خديجة أول من آمن به.

بشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. وقال عنها: خير نساء العالمين: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت مُحَمّد صلى الله عليه وسلم.

.......
- في مثل هذا اليوم 10 من رمضان 8هـ الموافق 1 من يناير 630م: قام الرسول {صلى الله عليه وسلم} وأصحابه بالتحرك لفتح مكة في العام الثامن من الهجرة، الذي سُمي بعام الفتح، وكان هذا الفتح تتويجًا لجهود النبي {صلى الله عليه وسلم} في الدعوة، وإيذانًا بسيادة الإسلام في شبه الجزيرة العربية.

.......

- في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المبارك وفاة تيموجين بن يسوكاي بهادر، المعروف بجنكيز خان، مؤسس إمبراطورية المغول، وواحد من أقسى الغزاة الذين نكب بهم تاريخ البشرية، وارتكب من المذابح ما تقشعر لهولها الأبدان.
.......

- في 10 رمضان 648 هـ الموافق 1250م انتصرت شجرة الدر ( زوجة الملك الصالح) في معركة المنصورة على لويس التاسع حيث أسر هو وقتل عدد كبير من جنوده. 

النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان



النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان

حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا إبراهيم بن سعد: أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله

 عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة) . صحيح البخارى

شرح الحديث

يعتبر شهر رمضان شهر المحبة والجد والاجتهاد والمناجاة لرب العالمين، حيث يتنافس فيه المتنافسون، وينجي فيه الناجون، ويركض فيه الراكضون إلى أبواب الجنة التي أعدت لهم في فرح وسرور وشوق تستقبلهم الملائكة وهم يرددون: ادخلوها بسلام آمنين .

وهذا الحديث يتحدث عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان لنهتدى بهديه ونغتنم الفرصة فى هذا الشهر المبارك ونتخلق بأخلاق النبى ونتأدب بآدابه فى شهر رمضان لنكون من أهل الجنة إن شاء الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات، فكان يدارس جبريل عليه السلام القرآن في رمضان، وكان يتأثر بذلك فيكون أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل على الرغم من أنه كان أجود الناس في غيره، فتراه يكثر من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر، والاعتكاف.

ووجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي: فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم.

وربما خص النبى صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بما لا يخص به غيره من الشهور من العبادة، حتى أنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقين) .

وسأل أبوسلمة بن عبدالرحمن السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً, فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماماً خاصاً بالعشر الأواخر من رمضان فقد كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، وكل ذلك ليجمع قلبه لمناجاة ربه، ويتفرغ لذكره .

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام تعجيل الفطر، فقد ثبت عنه من قوله وفعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس قبل أن يصلي المغرب، وكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقتاً يسيراً قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.

ولم يكن النبى يعتبر رمضان شهر كسل وفتور بل جاهد صلى الله عليه وسلم في رمضان، والمعارك الكبرى التي قادها كانت في رمضان ومنها بدر وفتح مكة، هذا هو هدي النبى صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان، وتلك هي طريقته وسنته، وما أحوجنا إلى الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، فلنسدد ولنقارب، ولنعلم أن النجاة في اتباعه والسير على منهجه ولنستثمر شهر رمضان فى الطاعات وعمل الخير 

حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا إبراهيم بن سعد: أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله

 عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة) . صحيح البخارى

شرح الحديث

يعتبر شهر رمضان شهر المحبة والجد والاجتهاد والمناجاة لرب العالمين، حيث يتنافس فيه المتنافسون، وينجي فيه الناجون، ويركض فيه الراكضون إلى أبواب الجنة التي أعدت لهم في فرح وسرور وشوق تستقبلهم الملائكة وهم يرددون: ادخلوها بسلام آمنين .

وهذا الحديث يتحدث عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان لنهتدى بهديه ونغتنم الفرصة فى هذا الشهر المبارك ونتخلق بأخلاق النبى ونتأدب بآدابه فى شهر رمضان لنكون من أهل الجنة إن شاء الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات، فكان يدارس جبريل عليه السلام القرآن في رمضان، وكان يتأثر بذلك فيكون أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل على الرغم من أنه كان أجود الناس في غيره، فتراه يكثر من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر، والاعتكاف.

ووجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي: فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم.

وربما خص النبى صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بما لا يخص به غيره من الشهور من العبادة، حتى أنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقين) .

وسأل أبوسلمة بن عبدالرحمن السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً, فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماماً خاصاً بالعشر الأواخر من رمضان فقد كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، وكل ذلك ليجمع قلبه لمناجاة ربه، ويتفرغ لذكره .

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام تعجيل الفطر، فقد ثبت عنه من قوله وفعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس قبل أن يصلي المغرب، وكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقتاً يسيراً قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.

ولم يكن النبى يعتبر رمضان شهر كسل وفتور بل جاهد صلى الله عليه وسلم في رمضان، والمعارك الكبرى التي قادها كانت في رمضان ومنها بدر وفتح مكة، هذا هو هدي النبى صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان، وتلك هي طريقته وسنته، وما أحوجنا إلى الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، فلنسدد ولنقارب، ولنعلم أن النجاة في اتباعه والسير على منهجه ولنستثمر شهر رمضان فى الطاعات وعمل الخير 

حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا إبراهيم بن سعد: أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله

 عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجود بالخير من الريح المرسلة) . صحيح البخارى

شرح الحديث

يعتبر شهر رمضان شهر المحبة والجد والاجتهاد والمناجاة لرب العالمين، حيث يتنافس فيه المتنافسون، وينجي فيه الناجون، ويركض فيه الراكضون إلى أبواب الجنة التي أعدت لهم في فرح وسرور وشوق تستقبلهم الملائكة وهم يرددون: ادخلوها بسلام آمنين .

وهذا الحديث يتحدث عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان لنهتدى بهديه ونغتنم الفرصة فى هذا الشهر المبارك ونتخلق بأخلاق النبى ونتأدب بآدابه فى شهر رمضان لنكون من أهل الجنة إن شاء الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات، فكان يدارس جبريل عليه السلام القرآن في رمضان، وكان يتأثر بذلك فيكون أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل على الرغم من أنه كان أجود الناس في غيره، فتراه يكثر من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر، والاعتكاف.

ووجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي: فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم.

وربما خص النبى صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بما لا يخص به غيره من الشهور من العبادة، حتى أنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة فعن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقين) .

وسأل أبوسلمة بن عبدالرحمن السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً, فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماماً خاصاً بالعشر الأواخر من رمضان فقد كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، وكل ذلك ليجمع قلبه لمناجاة ربه، ويتفرغ لذكره .

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام تعجيل الفطر، فقد ثبت عنه من قوله وفعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس قبل أن يصلي المغرب، وكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقتاً يسيراً قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.

ولم يكن النبى يعتبر رمضان شهر كسل وفتور بل جاهد صلى الله عليه وسلم في رمضان، والمعارك الكبرى التي قادها كانت في رمضان ومنها بدر وفتح مكة، هذا هو هدي النبى صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان، وتلك هي طريقته وسنته، وما أحوجنا إلى الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، فلنسدد ولنقارب، ولنعلم أن النجاة في اتباعه والسير على منهجه ولنستثمر شهر رمضان فى الطاعات وعمل الخير 

الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

تاوى علماء أهل السنة باليمن عن الأحداث وموقفهم من المبادرة الخليجيه

بسم الله الرحمن الرحيم


البيان الأول :

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] والقائل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].
والقائل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه» الموطأ [2/899]، وبعد:
فإن علماء اليمن يتابعون ما تشهده الأمة العربية اليوم من أحداث متسارعة وأزمات كبيرة، وفساد عام في الجوانب المختلفة من ظلم وذل وفقر وبطالة وتنازع وتمزق وضعف؛ بسبب البعد عن الله تعالى وعدم التحاكم إلى شرعه، وظهور المنكرات والمعاصي قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، الأمر الذي جعل بعض الشعوب تثور على حكوماتها وأنظمتها، كما حدث في الثورتين الشعبيتين الرائدتين السلميتين في تونس ومصر، اللتين أفضتا إلى إقامة حكومتين انتقاليتين مؤقتتين لتصريف أمور البلاد والإشراف على انتخابات حرة ونزيهة يتمكن فيها أبناء البلدين من اختيار نوابهم وحكامهم، وقد كان لهاتين الثورتين أثرهما على بقية البلدان والشعوب العربية ومنها اليمن، غير أنه صاحب هاتين الثورتين قمع واعتداء وسفك للدماء وإزهاق للأرواح، فهل نستطيع يا أبناء يمن الإيمان والحكمة تحقيق ما تطمح إليه الشعوب من إصلاح للأوضاع، وإقامة للعدل، ورفض للظلم والاستبداد، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، دون حصول تلك الأحداث المريرة والمؤلمة التي صاحبت الثورتين؟!
نعم. نستطيع ذلك بعون الله تعالى وتوفيقه إذا ما التزم أبناء يمن الإيمان والحكمة حكاماً ومحكومين بما يقتضيه الشرع، وتبينه هيئة علماء اليمن فيما يلي:
أولاً: حسن الصلة بالله تعالى والتوبة من الذنوب كبيرها وصغيرها، والعمل على إزالة جميع المنكرات في جميع المجالات، وإشاعة الأخوة الإيمانية فيما بينهم، وتعظيم حرمات الله تعالى وحرمات المسلمين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
ثانياً: الالتزام بالإسلام عقدية وشريعة، واحتكام جميع أبناء اليمن حكومة وشعباً في كل شيء يتنازعون أو يختلفون فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى:10].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].
فالكتاب والسنة هما المرجعية لكل المسلمين حكاماً ومحكومين عند التنازع والاختلاف، والتمسك بهما والتحاكم إليهما وتطبيقهما في كل المجالات هو دليل الإيمان وشرطه، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] وهو الضمان الحقيقي للحفاظ على وحدة الصف والأمن والاستقرار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيمن يترك الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم» [رواه ابن ماجه].
ثالثاً: جمع كلمة أبناء اليمن، وتوحيد صفوفهم، والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وترك كل ما يؤدي إلى إحداث الفرقة والنزاع، وإثارة الفتنة، وإيقاع العداوة والبغضاء، وإثارة النعرات الجاهلية، والعصبيات الطائفية والمناطقية، مذكرين بأن اليمن شعب واحد، ربهم واحد ودينهم واحد، لا تفرقهم طوائف ولا أعراق، وإنما تجمعهم أخوة الإيمان والإسلام، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].
وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا.. التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» [رواه مسلم].
رابعاً: دعوة جميع أبناء اليمن من سائر القيادات والزعامات والقوى والفعاليات من جميع المحافظات والمناطق والقبائل اليمنية لعقد مؤتمر وطني جامع لتدارس أوضاع اليمن الحاضرة، والاتفاق على الحلول لمشاكلنا الراهنة، والتوافق على تشكيل حكومة إجماع وطني مؤقتة من أهل الكفاءات؛ بحيث تكون متوازنة تتوزع فيها الحقائب الوزارية السيادية بين الكفاءات من أبناء المجتمع اليمني حتى لا يكون فيها هيمنة لطرف على آخر، وذلك لتسيير أعمال البلاد، وتقوم بالإشراف على تمكين الشعب من اختيار نوابه وحكامه برضاه، وفي أجواء حرة ونزيهة وآمنة، واتخاذ الإجراءات والضمانات التي تحقق ذلك خاصة، وقد تضمنت خطابات رئيس الجمهورية ما يؤيد مضمون ذلك ورفضه مبدأ التوريث والتمديد.
خامساً: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية واجب شرعي، سواءً مورس بطريقة فردية أو جماعية كالتجمعات والاعتصامات وسائر الفعاليات الجماعية والمظاهرات السلمية التي لا اعتداء فيها على مال أحد أو عرضه أو دمه أو أي ممتلكات عامة أو خاصة، ويجب على الدولة أن تقوم بواجبها في حماية هذا الحق وضمان ممارسته، ولا يجوز لها أن تمنع أحداً من ممارسة هذا الحق فضلاً عن الاعتداء عليه أو اعتقاله، وكل اعتداء بالضرب أو القتل أو غيره هو جريمة عمدية لا تسقط بالتقادم يعاقَب عليه الآمر والمنفذ، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حرمة الدماء بقوله: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حرام» [رواه البخاري].
وقوله صلى الله عليه وسلم:
«لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» [أخرجه الترمذي].ولا يجوز الطاعة لأحد يأمر بهذه المعصية لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [رواه الترمذي].كما ينبه علماء اليمن بأنه لا يحق لأي مظاهرة أخرى مخالفة أن تتجه إلى نفس مكان المظاهرة الأولى منعاً للفتنة وصيانة للدماء، وكذلك يحرم أي اعتداء بالضرب أو القتل أو غيره على القوات المسلحة والأمن؛ «فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
سادساً: إصلاح القضاء وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وسرعة اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المبدأ الدستوري الذي ينص على استقلاله، كما نصت على ذلك المادة (149) من الدستور:"القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً" ويمكن القضاة من الاختيار الحر لمجلس القضاء الأعلى".
سابعاً: منع أي توقيف أو اعتقال تعسفي، وحظر تعذيب السجناء جسدياً أو نفسياً أو معنوياً اتقاء للظلم ودعوة المظلوم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، وقد نص الدستور في المادة (48): بأن الدولة تكفل للمواطنين حريتهم الشخصية، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، وتحظر التعذيب بكافة صوره وأشكاله، ووجوب إطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء خارج إطار القضاء.
ثامناً: محاسبة كل من باشر أو تسبب بضرب أو قتل المتظاهرين سلمياً أو الصحفيين والإعلاميين، وكذا محاسبة كل من ثبت قضاءً اعتداؤه على الممتلكات الخاصة والعامة في الأحداث الأخيرة، أو اعتدى بضربٍ أو قتلٍ على أفراد الشرطة والجيش، وسرعة إطلاق سراح المعتقلين على ذمة المظاهرات والاعتصامات السلمية.
تاسعاً: ضرورة التعجيل بما يلي:
1) سحب وإلغاء جميع الإجراءات الانفرادية التي أدت إلى تأزيم الأوضاع.
2) إقالة كل الفاسدين والعابثين بمقدرات الأمة ومحاسبة من ثبت قضاءً في حقهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
3) تشكيل لجنة متفق عليها من العلماء والقضاة المشهود لهم بالنزاهة والصلاح يستعينون بمن يرونه من الخبراء والمختصين للبت في قضايا النزاع بين جميع الأطراف.
عاشراً: ضمان جميع الحقوق والواجبات والحريات للرجال والنساء في ضوء الشريعة الإسلامية.
أحد عشر: إعادة دعم السلع الأساسية والنفط ومشتقاته لرفع المعاناة عن أبناء الشعب، وعدم إثقال كاهل المواطن بالضرائب.
إثنا عشر: التعامل مع جميع المواطنين في كل أنحاء اليمن بالسوية، وإزالة أي صورة من صور التمييز الحزبية أو القبلية أو المناطقية أو أي عصبية جاهلية، وإقامة العدل وإزالة الظلم ورد الحقوق وإيصالها إلى أهلها، ومحاسبة المفسدين.
وختاماً فإن هيئة علماء اليمن تؤكد على ما يلي:
1) دعوة كافة القوى الخارجية إلى الالتزام باحترام السيادة اليمنية، والالتزام بالقوانين الدولية التي تمنع التدخل في الشئون الداخلية للدول.
2) دعوة جميع أبناء الشعب اليمني المسلم الغيور حكاماً ومحكومين إلى الالتفاف حول ما جاء في هذا البيان، والعمل على نشره وتبيينه وشرحه، ودعوة الجميع لرفع أصواتهم بالمطالبة بما ورد في هذا البيان نصحاً للأمة وبراءة للذمة، ورفع العرائض الموقعة من أبناء الشعب وتسليمها لهيئة علماء اليمن تأييداً لما جاء في هذا البيان، وحثاً لجميع القوى بالالتزام بما ورد فيه.
3) دعوة إخوانهم مشايخ القبائل وجميع وجهاء وأعيان أبناء الشعب اليمني لتأييد هذا البيان.
4) دعوة جميع أبناء الأمة الإسلامية، وفي مقدمتهم العلماء والدعاة والهيئات والمنظمات والجمعيات الإسلامية لمساندة موقف علماء اليمن بالدعاء والتأييد.
وستظل هيئة علماء اليمن في متابعة دائمة لتطورات الأحداث على الساحة اليمنية.
سائلين الله تعالى أن يجنب اليمن وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صادر عن هيئة علماء اليمن

صنعاء - بتاريخ: 18 ربيع أول 1432هـ الموافق 21/2/2011م


البيان الثاني :



مجلس علماء أهل السنة بحضرموت يدعو الرئيس صالح إلى الرحيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي أمر بقول الحق وإن كان مرّاً، أما بعد:

فقد تابع مجلس علماء أهل السنة والجماعة بحضرموت الأحداث المؤسفة التي مرّت بها البلاد خلال الأيام الماضية من قتل ذريعٍ، وجراحات بالغة كثيرة، وعدوان صارخٍ على فئاتٍ من الشعب في مدنٍ مختلفة، وتخلٍ عن المسؤولية، كما حصل في صنعاء وتعز وزنجبار وغيرها من المدن والقرى اليمنية، وكل ذلك من الجرم البالغ، والعدوان الصارخ، والخيانة للأمانة التي حملها من تربعوا على كراسي الحكم وأمسكوا بزمام السلطة، فأمنُ الناس والمحافظة على دينهم وأرواحهم وأموالهم وأعراضهم أعظم وظيفة يجب أن يقوم بها من حمل مسؤولية العباد ومُكِّن من حكم البلاد، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [متفق عليه]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به» [رواه مسلم].

وبما أن رئيس الجمهورية لم يعد قادراً على الإمساك بزمام الأمور والتصرف وفق ما يوجبه عليه الشرع.. بل أضحى يعمل بخلاف ذلك مما جعل الأمة تمقته وتنادي برحيله، وتنشد التغيير إلى الأفضل بوسائلها السلمية المختلفة؛ فإن الواجب عليه هو أن يستجيب لنداء أمته، ويسمع لصرخات شعبه الذي لم يعد يتقبله، ويدع حكم البلد إلى من يقدر على ذلك ويثق به الشعب، فيخرج عن المسؤولية وينقذ نفسه من تحمّل المزيد من الأوزار جراء إزهاق الأرواح وإسالة الدماء وتدمير البلد، فإنَّ عادة الله في من أسرف في قمع المؤمنين معلومة، كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَـٰدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُوا۟ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلْأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْا۟ فِى ٱلْبِلَـٰدِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ} [الفجر:6-14] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» [رواه مسلم]، كما ينقذ البلد من الانزلاق إلى الفتنة التي قد بدت نذرها، وانتشر شررها، وأذنت بالتمادي الذي إن حصل فلن يقف عند حد، ويقول من أشعل الفتنة "يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياًّ".

كما أن الواجب على الأمة بجميع فئاتها، وفي مقدمتها قادتها من العلماء والسياسيين وأصحاب الفكر والعسكريين ورجال الأمن أن يقفوا الموقف المشرف الذي ينقذ العباد والبلاد مما حلّ بهم، ويعملوا على وأد الفتنة، وتفويت الفرصة على من يريد إشعالها بما أمكن من وسائل شرعية، وأن تسود بينهم الألفة والمحبة، والتعاون على البر والتقوى، ورفض التعاون على الإثم والعدوان، وأن يحكِّموا العقل، ويحذروا الانسياق وراء العواطف ودواعي الهوى والشيطان.

اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة.

صادر عن:

مجلس علماء أهل السنة بحضرموت

30/6/1432هـ الموافق 2/6/2011م


البيان الثالث :


بيان رابطة علماء المسلمين بشأن ما يحصل في اليمن 1432هـ - 2011
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد

فإن رابطة علماء المسلمين لتستنكر ما يحصل في دولة اليمن من إراقة الدم الحرام وإزهاق الارواح البريئة ومن واقع الواجب الملقى عليها تؤكد على ما يأتي:

أولًا: إن المطالبة بتحقيق العدل ورفع الظلم مقصد شرعي، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58].

وإن المناداة بتحقيق التنمية ومحاربة التخلف حق مقصود شرعاً وعقلا، وإن الإلحاح على شُوريَّة الحكم في البلاد واختيار الشعب من يمثله بناءً على الأصول الشرعية, أساسٌ من أسس الاستقرار، ولا تمثل تلك المطالبات خروجًا أو مخالفة شرعية، بل ذلك من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبخاصة أن النظام يسمح لهم بذلك.

ثانيًا: إن النظام اليمني يتحمل ما جرى ويجري من إراقة الدماء في تلك المجزرة الوحشية التي ارتكبت في حق المعتصمين والمتظاهرين لاسيما وأن النظام يكفل لهم حق التظاهر وحق الاعتصام وحق الحماية من قبل الدولة.

ثالثًا: على رجال الجيش والأمن أن يقوموا بواجبهم الذي تحملوه بحماية أمتهم، ويصدروا الأوامر بمنع استخدام القوة ضد المواطنين العزل، وألا يلوثوا أيديهم بدماء الأبرياء، فإن حرمة الدماء عند الله عظيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» [رواه البخاري/6862].

رابعًا: على أهل العلم والمصلحين والدعاة القيام بواجباتهم الشرعية والعملية في قيادة أمتهم وتسديد مسيرتها، وتوجيهها نحو أعدل السبل وأقوم الطرق، التي بها يصلح حال البلاد والعباد، متحرين في ذلك رضا ربهم، ومراعين فقه واقعهم، دون حيف أو خوف، أو ولاءٍ لشرق أو غرب، ونوصي الأئمة بالدعاء في الصلوات لإخوانهم.

خامسًا: على قبائل اليمن الأبية, وبما تمثله من دور بارز لدى الشعب اليمني, الانتصار لهؤلاء المعتصمين والمتظاهرين فيما يتعلق بالمطالب المشروعة التي كفلها لهم الشرع, والابتعاد عن حمل السلاح في المظاهرات والاعتصامات مع التحلي بالصبر وضبط النفس في التعامل مع الأحداث المؤسفة.

سادسًا: على أحزاب اليمن أن تقدم مصلحة الشعب المشروعة فوق أي مصلحة ضيقة, فإن مصلحة البلد مصلحة للجميع, والمصالح الجاهلية والفئوية دمار على الجميع.

سابعًا: على الشعب اليمني اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الضائقة, وضبط النفس والتحلي بالصبر وأن تكون مطالبهم فيما يحقق تحكيم شرع الله والالتزام بالكتاب والسنة, والمطالبة بالحقوق المشروعة والبعد عن المطالب الحزبية والفئوية, أو ما يؤدي إلى تفرق الشعب واختلافه حتى يقطعوا الطريق على من يريد بهم السوء فكلما كنتم أقرب من الله كنتم أقرب إلى الفرج.

ثامنًا: الحرص على وحدة اليمن والحذر ممن يريد استغلال الأحداث لتفتيته وتقسيمه إلى عدة دول, مع التيقظ لاستغلال الرافضة لهذه الأحداث ممثلة في الحوثيين, فهم أشد خطرًا على الشعب اليمني مما يعاني منه.

وأخيرًا نذكر بقول الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42]، نسأل الله تعالى أن يلطف بعباده في اليمن وسائر بلاد المسلمين، وأن يرزقهم الثبات، ويربط على قلوبهم، وأن يعجل برفع الظلم عنهم،وأن يوفقهم لتحكيم كتابه واتباع سنة نبيه, والحمد لله رب العالمين.
رئيس الرابطة الأمين العام للرابطة
الشيخ/ الأمين الحاج د. ناصر بن سليمان العمر


البيان الرابع
فتوى علماء عدن وحضرموت بتحريم استخدام الرصاص بالمظاهرات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
يتابع علماء عدن وحضرموت بقلق كبير ما تمر به اليمن عموماً من أوضاع وأحداث متصاعدة، واستشعاراً منا للواجب الشرعي، ووفاءً بميثاق الله تعالى في القيام بالبيان والبلاغ والنصيحة والإصلاح نؤكد على ما يلي:
أولاً: التأكيد على حق الأمة في الاحتساب والإنكار على حكامها، وحقها في المطالبة بالتغيير والإصلاح بالوسائل السلمية المنضبطة، فهذا الإنكار حق مشروع تكفله الشرائع السماوية والأعراف الدولية، لعموم الأدلة الموجبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها فعل الصحابي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في إنكاره على والي المدينة (مروان بن الحكم) على مرأى من الصحابة، مستدلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»[رواه مسلم].
ثانياً: ندعو القوى السياسية، والفعاليات الشبابية، وجموع المتظاهرين لعدم الانزلاق إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، أو استخدام أي شكل من أشكال العنف المسلح، والالتزام بالخيار السلمي حتى تتحقق مطالبهم المشروعة والعادلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
ثالثاً: ندعو الجنود والضباط من أبناء القوات المسلحة والأمن، وكافة منتسبي الجهاز الأمني للدولة إلى عدم استخدام الرصاص الحي أو أدوات القمع في تفريق المظاهرات والاعتصامات، وأن سفك دم المسلم حرام بنص الكتاب والسنة، لا سيما أنه يعبر عن مطالبه بطريقة سلمية مشروعة، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً»، ونذكرهم بأن المسؤولية أمام الله تعالى في الآخرة مسئولية فردية، قال تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95] فلا يجوز لهم التأول في استخدام السلاح ضد المتظاهرين بحجة الأوامر العسكرية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف».
رابعاً: ندعو الدولة أن تقوم بمبادرة جادة نحو التغيير الحقيقي والفوري -قبل فوات الأوان- وذلك على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية بما يلبي تطلّع الأمة اليمنية واحتياجاتها، وفق ثوابت دينها الإسلامي الحنيف.

نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، والحمد لله رب العالمين.

بتاريخ: الجمعة 15/ ربيع أول/ 1432هـ

الموافق: 18/ فبراير/ 2011م

الموقعون على البيان:

1- عوض محمد بانجار.

2- عبد الله بن فيصل الأهدل.

3- أحمد بن حسن المعلم.

4- عبد الله بن محمد اليزيدي.

5- عبد الرحمن بن عبد الله بكير.

6- أحمد بن علي برعود.

7- محمد بن علي مديحج.

8- عبد الله بن أحمد المرفدي.

9- عبد الرب بن صالح السلامي.

10- فهد بن محمد اليونسي.

11- جمال بن ناصر النقيب.

12- سمحان عبد العزيز (راوي).

13- حكيم بن محمد الحسني.

14- عباس بن طاحل.

15- محمد باعبد.

16- محمد بن أبو بكر.

17- نادر بن سعد العمري.

18- عارف بن علي الصبيحي.

وآخرون..

البيان الخامس :
بيان هيئة علماء اليمن بشأن المبادرة الخليجية (18جمادي الآخرة 1432هـ - 21/ 5/ 2011م)

نص البيان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90] والصلاة على رسول الله القائل: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله» وبعد:

فإن الأمور قد تأزمت في اليمن بعد أن تم رفض التوقيع على المبادرة الخليجية, وبعد أن تصاعدت الصيحات من بعض المسؤولين إلى إعلان التحدي والمواجهة بين طرفي الشعب المختلفة في القرى والعزل والحارات في المدن, وارتفع التهديد بتمزيق اليمن إلى دويلات أربع فضلاً عما يقوله المختصون من السياسيين بأن البلاد في طريقها إلى إنهيار اقتصادي وسايسي, وهذا يدخلها في حالة من الفوضى الشاملة التي تجعلها صومالاً آخر, ويفتح الباب فيه للحروب الأهلية والفتنة الداخلية والاختلاف والتمزق وتعطيل التنمية وانتشار الفقر والبطالة وانفلات الأمن.

وقد استجاب الرئيس أخيراً لمطلب الوساطة الخليجية، فأعلن المسؤولون في الدولة بأن الرئيس على استعداد للتوقيع على المبادرة وتسليم السلطة لنائبه، وإصدار مجلس النواب لقانون يمنحه الحصانة القانونية ضد الملاحقة أمام القضاء أو أي جهة أخرى على ما صدر منه من أعمال هو أفراد أسرته وبعض القيادات التي أعانته أثناء حكمه.

ونحن نشكر إخواننا في الخليج على جهودهم التي بذلوها لرأب الصدع وحقن الدماء وحل المشكلة اليمنية والوصول إلى اتفاق يجعل الرئيس يتنحى عن السلطة ويسلمها لنائبه الذي سيقوم بالإشراف على انتخابات حرة ونزيهة وآمنة خلال مدة مناسبة يتمكن فيها الشعب صاحب الحق في اختيار حكامه، وأن يختار الرئيس الجديد, ليصل الشعب إلى بر الأمان عبر صناديق الاقتراع وبطريقة دستورية, وهذا الحل بإذن الله تعالى سيجنب البلاد ويلات الشقاق والفتن والتمزق، ونرى أن الواجب على العلماء ومشايخ البلاد وسائر القيادات السياسية والفكرية والعسكرية القيام بواجبها لإنجاح هذه المبادرة الخليجية وعدم فشلها, والتصدي لكل من يحاول جر البلاد إلى الفوضى والاقتتال.

ونطالب أبناءنا الشباب المعتصمين الذين يرفضون هذه المبادرة بألا يحولوا دون نجاح المبادرة الخليجية التي تحقق مطلبهم الأول في تنحي الرئيس وتسليمه السلطة, ومن حقهم أن يبدو رأيهم ولكن دون تعويق لنفاذ الاتفاقية، ونطلب من الأخ الرئيس الالتزام بما وعد من تسليم السلطة وألا يفجعنا مرة ثانية برفضه للتوقيع أو وضع عراقيل أخرى أمام حل مشكلات اليمن, كما نطلب بإعطاء دية مجزية لكل شهيد سقط في هذه الثورة لا تقل عن خمسة وعشرين مليون ريال يمني مع تمليكه بيتاً ومنحه راتباً يكفي أسرته من بعده، وكذلك تعويض المعاقين إعاقة كاملة بدية مجزية لجروحهم وأروشهم مع بيت وراتب شهري, أما الجرحى الذين لا يزالون يحتاجون للعلاج والرعاية الصحية, فيجب أن تقدم لهم كامل الرعاية الصحية وإرسال من يحتاج إلى سفر للعلاج في الخارج حتى يبرءوا بإذن الله.

ونوصي أنفسنا وسائر أبناء الأمة بالتوبة إلى الله تعالى والبعد عن المعاصي التي قد تؤخر حل المشكلة, ونوصي سائر القوى السياسية بالالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة, ورفض أي وثيقة تتضمن مخالفة للإسلام عقيدة وشريعة, ونطلب بالالتزام الصارم بما نص عليه الدستور من مواد تتعلق بالإسلام عقيدة وشريعة وكل ما يتعلق بالدين الإسلامي الحنيف وجعل هذه المواد ثابتة غير قابلة للتعديل, فتكون مواداً جامدة كما يقوا أهل الاختصاص, ونطالب الجميع برفض أي أوامر تصدر من أي مسؤول فيه استباحة الدماء أو هتك الأعراض أو نهب الأموال لقول النبي صلى الله عليه وصحبه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

وندعو الجيش والأمن إلى الالتزام بما عاهدوا الله عليه من حماية الوطن وتأمين المواطنين.

ونطلب من شباب اليمن المعتصمين أن يختاروا ممثلين لهم للاشتراك مع سائر أبناء الشعب وقواه السياسية لدراسة ما يتعلق بصلاح البلاد والعباد حتى لا يغيبوا من الأحداث.

كما نطالب الوسطاء من إخواننا الخليجيين وسائر القوى السياسية بالاعتراف بحق شبابنا في ممارسة حقهم الدستوري من الاعتصامات والمظاهرات السلمية المنضبطة بالضوابط الشرعية, كما نطالب بوجوب إشراك جميع القوى اليمنية من العلماء والمشايخ الذين بذلوا جهودهم ومساعيهم للسير بالبلاد إلى بر الأمان من وقت مبكر، وضحوا من أجل ذلك وكذلك سائر القوى السياسية والأهلية لدراسة مشروع أهداف الثورة التي ساهم فيها كثير من أبناء الشعب بمختلف فئاته، وبذلوا الغالي والرخيص فيشترك الجميع في ذلك حتى لا تزل القدم بتبني بعض الآراء التي تخالف الإسلام عقيدة وشريعة, ويتفق الناس على أهداف تمثل إرادة الشعب التي التزم بها شبابنا في قولهم: (الشعب يريد) وشعبنا يريد التمسك بدينه وصلاح شأنه والتشاور بين أبنائه.

وعلينا أن نتذكر في مثل هذه الأحوال التي تفرق الجمع وتشتت الشمل، وقد يسيء البعض بإخوانه أن الطريق الأمثل هو السعي لإصلاح ذات البين، وإزالة ما قد يعلق في النفوس كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10]، وكما قال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1].

وفي الأخير لا يفوتنا أن نشكر جميع الدول التي أعانت جميع الأطراف على العودة إلى المبادرة الخليجية والالتزام بها, وخاصة المطالبة الواضحة بالالتزام بانتقال السلطة بطريقة سلمية وآمنة, ونؤيد ما دعا إليه الرئيس الأمريكي من حرص على احترام الخصوصيات لكل شعب في دينه وأخلاقه وقيمه, وعلى التفاهم بين الشعوب وتحقيق المصالح فيما بينها، والتشجيع على مقاومة الاستبداد, ونحن نؤكد أن هذا هو الطريق الأمثل لتحقيق المنافع والتفاهم بين الأمم.

نسأل من الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه, وأن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين أجمعين، وأن يجمع كلمتهم على الحق والدين, وأن يحافظ ديننا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا.

والحمد لله رب العالمين, وصلى وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

رئيس هيئة علماء اليمن
الشيخ/ أ.د.عبد المجيد بن عزيز الزنداني
18جمادي الآخرة 1432هـ - 21/ 5/ 2011م
المصدر: الصحوة نت

والحمد لله .
بيان علماء عدن وحضرموت ودعاتها حول الأحداث الأخيرة في اليمن

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

الرشوة حكمها وشؤمها (الشيخ عبد الله بن صالح القصير)

الرشوة خصلة جاهلية وخليقة يهودية وخطوة شيطانية تنبئ عن ضعف الدين وضياع الأمانة وموت الضمير والعبودية للدرهم والدينار وذهاب الحياء وزوال التقوى. وهي من أسباب فساد الإدارة وضياع الأمر وشيوع الظلم ونهب الحقوق وهيمنة المحسوبيات وذهاب الأخلاق. وهي تعرض آكلها اللعن والطرد والإبعاد عن مظان الرحمة فإن الله تعالى قد لعن الضلال من أهل الكتاب بأسباب وأفعال شنيعة منها أكلهم للسحت، وهو الرشوة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الراشي والمرتشي» وفي رواية «الرائش..» فالراشي هو باذل الرشوة والمرتشي آخذها، والرائش الوسيط الساعي بينهما. وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم إن كان خبراً فهو صادق، وإن كان دعاء فهو أحرى الأدعية بالإجابة. وإنما استحق أولئك اللعن في الكتاب والسنة لسوء ما ارتكبوه وعظم ما اقترفوه فإنهم تواطئوا على الظلم وتعاونوا على الإثم وإلزام غيرهم بالغرم. فالمتواطئون على الرشوة ملعونون ومتهددون بعظيم العذاب وشديد العقاب في الدنيا ويوم الحساب. فالرشوة حرام بإجماع المسلمين في أي صورة كانت وبأي اسم سميت سواء قيل إنها هدية أو إكرامية أو مكافأة إذ العبرة بالحقائق لا بالمسميات يأكلها آخذها سحتاً ويتجرع شؤمها ومرارتها حتى يتوب منها ويتخلص من تبعتها. فمن شؤم الرشوة أنها مال حرام: 1- لا تقبل منه الصدقة. 2- 2- ولا يؤجر صاحبه على النفقة. 3- وأنى يستجاب له الدعاء وهو يأكل الرشوة. 4- وتقسي القلب وأبعد القلوب من الله القلب القاسي. 5- وتفتر الهمة عن الطاعة وتقوي أكلها على إتباع الشهوات وأنواع المخالفات. 6- ولا يتركه صاحبه خلف ظهره إلا كان زاده النار. 7- وعليه إثمه ولغيره نفعه. ومن الرشوة ما يعطاه الحكام بين الناس ليقضي من أجلها لمن لا يستحق أو يمنعه من يستحق أو يقدم من غيره أولى بالتقديم. ومن الرشوة ما يأخذه الموظفون المعنيون في الإدارات والمؤسسات الحكومية والشركات لتقديم من لم ينجح، أو إعطاء أسئلة الامتحان حتى يولى الوظيفة من غيره أحق منه، ومن الرشوة ما يأخذه المسئولون عن المشاريع والمناقصات حتى ينزل المشروع على من غيره أنصح قصداً وأتقن عملاً فما يأخذه أولئك من أموال ليخونوا أماناتهم ويظلموا الناس ويغشوا مسؤوليتهم فكله رشوة وسحت، وأيما لحم نبت من السحت فالنار أولى به.. وفي ذلك كله يقول الحق سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. نسأل الله السلامة والعافية.

جوان-2012

Review www.molta9a-arab.blogspot.com on alexa.com

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م