الخميس، 15 ديسمبر 2011

حقوق الملكية فى اقتصاد السوق


حقوق الملكية فى اقتصاد السوق
بقلم: بروس ايه. ريزنيك
Bruce A. Reznik محامى الشركات الدولية ورئيس مؤسسة خدمات المساعدة الفنية القانونية (LTAS)فى واشنطون دى. سى. وهى مؤسسة تقدم التدريب الفنى من خ
حقوق الملكية فى اقتصاد السوق
بقلم: بروس ايه. ريزنيك
Bruce A. Reznik محامى الشركات الدولية ورئيس مؤسسة خدمات المساعدة الفنية القانونية (LTAS)فى واشنطون دى. سى. وهى مؤسسة تقدم التدريب الفنى من خلال الاستشارات والندوات إلى موظفى الحكومات والشركات فى الدول التى تقوم بإصلاحات السوق.
يؤكد تاريخ الديمقراطيات الغربية على الدور المركزى الذى تلعبه حقوق الملكية فى النهوض بالتنمية الاقتصادية والسياسية. ومن الممكن استخدام الطريقة التى اتبعتها هذه الدول لحماية حقوق الملكية على مدى السنين الماضية كدليل لا يقدر بثمن للدول الأخرى التى تسعى إلى تطوير المؤسسات القانونية وغيرها من المؤسسات الأخرى حتى تؤسس أنظمة قوية للملكية الخاصة. ولهذه النقطة أهمية خاصة بالنسبة للاقتصادات التى تتجه نحو اقتصاد السوق الحر لأن نجاح إصلاحات السوق يتوقف على مدى تمسك الحكومة بالعناصر اللازمة لاستقرار الملكية الخاصة. أما المفاهيم والسياسات الحكومية الغامضة أو المتضاربة فإنها قد تعرض عملية الخصخصة لمخاطر وانتكاسات كبيرة. ولذلك أصبح من المحتم أن تفهم هذه الحكومات طبيعة الملكية الخاصة وأنواعها والقيود على تدخل الحكومة فى حقوق الملكية الخاصة.
يتسم مفهوم الملكية بالتعقيد فى أى نظام اقتصادى لأسباب كثيرة:
أولا:    إن الملكية لا تقتصر على ما هو مملوك فقط، لكنها حزمة من الحقوق والعلاقات التى تترتب عليها حقوق الملكية. ولذلك فإن ما يطلق عليه لفظ "الملكية" هو فى الواقع "حقوق الملكية". وهذه الحقوق هى التى تجيز للشخص استخدام الشيء المملوك والتمتع به والتخلص منه حسبما يراه مناسبا.
ثانيا:    إن الملكية تشتمل على مجال عريض من الأصول، بعضها أصول مادية كالأراضى والعقارات والبعض الآخر أصول معنوية مثل أسهم الشركات، والحقوق الفكرية، والسمعة التجارية للشركة. وحتى الحق فى اكتساب أسباب الرزق قد يدخل فى نطاق ملكية المصالح. وهناك مفاهيم أخرى للتملك أكثر تعقيدا، منها مختلف أشكال الملكية والمصالح مثل المشاركة فى الملكية، والضمانات، والرهن العقارى وحقوق استعمال العقارات (حقوق الارتفاق). وعلاوة على ذلك فإن نظرة المجتمع إلى الملكية تخضع للتغيير بمرور الوقت، والولايات المتحدة هى أكبر مثال على ذلك.
فى فترة تكوين الولايات المتحدة الأمريكية كانت أهمية حماية الملكية الخاصة تتصدر المناقشات حول حقوق المواطنين وسلطة الحكومة. ونتيجة لذلك قامت فلسفة الملكية التى تعتبر أساس النظام الأمريكى على أهمية الحريات الفردية، وتحديد سلطة الحكومة، وإطلاق حق الناس فى الملكية. هذا المفهوم الواسع للملكية تجاوزالملكية المادية للممتلكات الخاصة ليشمل حرية المصالح كما وضع حدود تدخل الحكومة فى ملكية مواطنيها، وهو ماعبر عنه جون لوك John Locke فى بحثين أعدهما عن الحكومة وكان لهما تأثير عميق على جيل الأباء الذين أسسوا الولايات المتحدة. ومنذ القرن السابع عشر ساهم جيمس هارينجتون المصلح الاجتماعى اليوتوبى ، وسير ويليام بلاكستون رجل القانون البريطانى المعروف فى وضع مفهوم الملكية. فبينما تصور هارينجتون مجتمعا تقوم العدالة فيه بصفة جزئية على التوزيع المتساوى للثروة، قال بلاكستون إن حق المالك فى استخدام ما يملكه ليس حقا مطلقا.

الحياة والحرية والملكية

دخلت هذه المفاهيم فى التعديل الخامس لدستور الولايات المتحدة الذى أحدث توازنا بين حقوق الملكية العامة والملكية الخاصة. وينص التعديل الخامس على أنه لا يجوز "حرمان أى شخص من الحياة أو الحرية أو الملكية إلا بالطرق القانونية، ولا يجوز نزع الملكية الفردية او الاستيلاء عليها للاستخدام العام دون تعويض عادل." ويتطلب الشرط الأول "إلا بالطرق القانونية" أن تكون الاجراءات عادلة.  أما الشرط الثانى الذى يعرف بـ "الاستيلاء" أو "حق الاستيلاء العام" فيتطلب أن تقدم الحكومة تعويضا عادلا عندما يؤدى تصرف أو تشريع حكومى إلى حرمان صاحب الملكية من استخدام ما يحوزه أو يمتلكه.
تسمى سلطة الحكومة على تنظيم الملكية الخاصة "سلطة الأمن العام Police Power"  ولا بد أن تكون ممارسة هذه السلطة وفقا للدستور والقوانين السارية.  وتعتبر اللوائح البيئية والعمرانية أمثلة لسلطة الحكومة على تنظيم أنشطة مالكى الأراضي. فمن المعتاد فى الولايات المتحدة أن يقوم أصحاب الأرض بتقديم طلبات إلى مجالس التنظيم العمرانى المحلية للحصول على تصاريح تغيير أسلوب استغلال الأراضى التى يمتلكونها.  إلا أن المجلس فى بعض الحالات قد يمنعهم من التصرف فى هذه الأراضى إذا كانت تتميز بجمال طبيعي خاص أو كانت تحتوى على موارد معينة. وليس لهؤلاء الملاك الحق المطلق فى استخدام أملاكهم كما يريدون إذا كان ذلك يلحق الضرر أو الأذى بأرواح الغير أو بممتلكاتهم، لدرجة أنه من الممكن أن يحصل المتجاوزون (الذين يدخلون اراضى الغير دون وجه حق) على تعويض قضائى مقابل الاصابات الناجمة عن أخطار يمكن التنبؤ بها. ومن ناحية أخرى، فإن المالك الذى يعترض على مصدر إزعاج كالمطار مثلا قد لا يحصل على تعويض قضائى أو أى تعويض آخر إذا كان المصدر موجودا قبل امتلاكه لتلك الأرض.
وما تزال مسألة سلطة الحكومة على الملكية الفردية فى الولايات المتحدة حتى يومنا هذا خاضعة للتفسير والتعديل بصفة مستمرة. ففى قرار مفاجئ صدر هذا العام، على سبيل المثال، قضت المحكمة العليا أن للولاية سلطة مصادرة الممتلكات الشخصية أو العقارية او سلطة الاستيلاء عليها اذا استخدمها الفرد فى نشاط اجرامى حتى ولو لم تكن الممتلكات مركزية بالنسبة للجريمة أو كانت ملكيتها مشتركة مع شخص آخر أو مع طرف برئ. ولا يعتبر هذا القرار انتهاكا لشرط ضمان استعمال الطرق القانونية  أو شرط الحصول من الحكومة على تعويض عادل.

المشاركة فى المنفعة

تبرز مسألة حقوق الملكية إلى المقدمة فى الدول التى تتحول إلى اقتصاد السوق الحر، لأن هذه الحقوق تعتبر من صميم خصخصة أصول الدولة. إلا أن هذه العملية معرضة للخطر فى دول مثل روسيا حيث لا يتم اقتسام المنفعة على نطاق واسع مع المواطنين.  فقد يكون إصدار الأسهم مثلا لمن كانوا يعملون فى مؤسسات كانت مملوكة للدولة مسألة تتماشى مع نص الخصخصة ولكنه بالتأكيد يختلف مع روحها. وفى نفس الوقت، هناك دول أخرى تعرضت فيها بعض المؤسسات العامة للنهب  بدلا من إعادة توزيع الممتلكات.
ونظرا لأهمية حقوق الملكية، يعتبر الفهم الأساسى لأنواع الملكية ضروريا لكى تتجنب الأسواق الناشئة الأخرى الوقوع فى مآزق مماثلة. وفيما يلى عرض مبسط لأربعة أنواع رئيسية من الملكية.
الملكية العقارية (أو الأموال الثابتة) Real property “realty”: هى الأرض بصفة عامة وما يوجد عادة فى الأرض أو عليها مثل النفط والغاز والمعادن والأشجار. ولأن الأرض تعتبر من الناحية العاطفية بمثابة "الروح" بالنسبة للأمة فإن كثيرا من الحكومات التى أصبحت الآن تسمح بالملكية الخاصة للأرض لا تبيح للأجانب أن يتملكوها.
و بالاضافة إلى البيع، هناك استعمالات اقتصادية أخرى للأرض مثل الإيجار. فلو قام مالك الأرض بتأجيرها لمستأجر أصبح يشغلها بالفعل فإن هذا التصرف قد يثير قضايا تتعلق بالملكية فى مقابل الحيازة. فمالك الشقة الذى قام بتأجيرها مثلا لا يتمتع بالحق المطلق فى دخولها. وبالتالى، من الضرورى أن تضع الدول قواعد واضحة المعالم لا تتوقف فقط عند عمليات بيع وشراء وتعمير الأراضى بل تشمل ايضا الإيجار والتأجير. هذه القواعد لا توجد فى فيتنام مثلا حيث تسمح الحكومة للأفراد والشركات بتأجير الأراضى وهى، طبقا للقانون، ملك الشعب. ورغم ذلك لا يحق للمستأجرين استخدام شهادات حق استغلال الأراضى كضمان مقابل الحصول على قروض.
بالإضافة إلى التأجير، يجوز للأفراد الحصول على حقوق استعمال الأراضى (أو حقوق الارتفاق) مثل الطرق التى تجتاز أرضا مملوكة للغير. وهذا الحق لا يمثل ملكية، ولكنه يمثل منفعة أو مصلحة فى الأرض تعطى الشخص حق دخول أرض الغير لغرض محدد. وهذا الوضع يشبه إلى حد كبير منح ترخيص لاستعمال علامة تجارية.
الملكية كأداة ضمان Property as Collateral: تلعب الملكية فى اقتصاد السوق دورا رئيسيا لمساعدة الأفراد والمؤسسات على الحصول على تمويل. ويحصل المقرض على ضمان لحقه فى الأرض المملوكة للمقترض حسب شروط العقد. وفى هذه الحالة تسمى هذه الأرض "الضمان الإضافى collateral" . ويمكن ضمان القروض العامة بأى أصول يقبلها المقرض كالسيارات أو المجوهرات. وكذلك يمكن استخدام الممتلكات الشخصية "المنقولات" كضمان إضافى. ويمكن تعريف المنقولات بصفة عامة على أنها ممتلكات ليست عقارية وتوصف فى الغالب بالسلع. أما "الأموال المنقولة chattels" فتعتبر ممتلكات شخصية مادية.
وفى حالة قروض الاسكان يتم ضمان القرض عن طريق "الرهن". والرهن هو قيد يفرض على ملكية المدين العقارية التى هى موضوع الدين. ويمكن أن يؤدى الفشل فى التسديد وانتهاك عقد الرهن إلى حصول المقرض (البنك أو شركة الرهن المصرفى) على حق الحيازة والملكية التامة للمسكن من خلال عملية إسقاط الحق والمصادرة.
أصبحت القروض المضمونة أكثر انتشارا فى الدول التى كانت شيوعية. إلا أن بعض هذه القروض أثارت فى روسيا موجة من الخلافات حول بعض حالات الخصخصة التى تمت مؤخرا والتى تمت هيكلتها كقروض بدلا من شراء حقوق الملكية فى الشركات التى كانت مملوكة للدولة ثم تم بيعها. وبدلا من شراء حقوق الملكية، قدم المستثمرون المهتمون قروضا للحكومة الروسية بضمان أسهم فى رأسمال الشركات التى تمت خصخصتها. وأصبح من حق المقرضين الاستيلاء على أسهم رأس مال تلك الشركات فى سبتمبر 1996 إذا لم تتمكن الحكومة الروسية من تسديد ديونها. ويرى كثير من الروس أن تلك الصفقات وأمثالها كانت تتم بطريقة غير سليمة لتسهيل حصول البنوك والشركات على ملكية تلك الشركات التى يباركها موظفو الحكومة.
الملكية الاعتبارية corporate ownership: حق الملكية فى شركة مدرجة فى سجل الشركات يمكن أن يخول الحق فى نوعين مختلفين من الملكية: الأصول المادية (الملموسة) أو الأصول المعنوية (حصص رأس المال). وتصبح الملكية المعنوية ملكا لحامل الأسهم وهو حر فى بيع أسهمه لمن يشتريها ما لم يكن هناك اتفاق يمنع تحويلها. (وينتشر استعمال هذا المنع فى الشركات الصغيرة التى يريد مؤسسها أن يعرفوا الزملاء الذين سيشاركونهم فى ملكية الشركة وأن يوافقوا عليهم). ويؤدى عرض و/أو بيع حصص رأس المال فى الولايات المتحدة إلى استخدام قوانين مشددة للأوراق المالية، وهذه القوانين فى جوهرها عبارة عن اجراءات القصد منها حماية المستهلك.
الملكية الفكرية intellectual property  : فى الاقتصاد العالمى المتزايد أصبحت حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق الاختراع والعلامات التجارية وحقوق التأليف أحد الأصول القيمة التى تزداد أهميتها باستمرار. ويؤدى نقص التنظيم إلى فقدان الحافز لتطوير العلامات والأعمال الأدبية والاختراعات. ولهذا السبب تصمم حقوق الملكية الفكرية لحماية قيمة الأصول، وتتم حمايتها فى الولايات المتحدة عن طريق القوانين المحلية. أما على الصعيد الدولى فإن حمايتها تتم من خلال مختلف الترتيبات ومنها معاهدتى بيرن وباريس واتفاقية مدريد.
زادت الأهمية الحالية للملكية الفكرية حتى أصبحت أداة مخففة للخلافات التجارية الدولية. ومن أمثلة ذلك الخلاف الذى نشب بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية حيث هددت واشنطون مؤخرا بفرض عقوبات تجارية ضد الصين تقدر بنحو 1.08 بليون دولار، وهى أكبر عقوبة تجارية لوحت بها الولايات المتحدة. وهناك مثال آخر وهو تسوية قضية الخلاف التى رفعتها الولايات المتحدة ضد اليابان بسبب اتهامها بالقرصنة والقيام بالتسجيلات الصوتية منذ 1946 حتى 1971 باعتبار ذلك انتهاكا لاتفاقية جولة أوروجواى حول الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية. وكذلك يتضمن قانون التجارة الأمريكى (الجزء 301) نصا يتطلب التعرف كل سنة على الدول التى لا توفر الحماية الفعالة لحقوق الملكية الفكرية وعلى الدول التى توجد فيها ممارسات واجراءات تضر بمصالح الولايات المتحدة وتعتبر مكلفة بالنسبة لها. ومن الممكن أن يترتب على ذلك اجراء تحقيق تلقائى بموجب الجزء رقم 301 فى إطار زمنى قصير مع تحديد مواعيد نهائية للتحقيق والرد بالمثل.

التشريع.. أحد مكونات إنفاذ الملكية الفكرية

التشريع هو أحد مكونات إنفاذ الملكية الفكرية، ولكى يكون قانون الملكية الفكرية مؤثرا لا بد أن يكون هناك ترابط منطقى بينه وبين نطاق أوسع من القوانين المدنية والجنائية، وأن يقوم عليه محامون مدربون على هذا المجال القانونى، وأن تعمل على إنفاذه كيانات حكومية.

أنفاذ القوانين هو الأساس

لكى تكون القوانين مؤثرة، لابد من إنفاذها. ولذلك لا بد أن تكون للحكومة مؤسسات وآليات لحماية الملكية الخاصة.  ففى الولايات المتحدة على سبيل المثال توجد أنواع مختلفة من آليات إثبات الملكية فى مختلف الظروف. وهناك سجل فيدرالى لملكية الحقوق الفكرية للعلامات التجارية، والمواد المحمية بحق الطباعة، وبراءات الاختراع. ويتم الحصول على سند الملكية كدليل على ثبوت ملكية العقارات والسيارات. كما تعتبر شهادات الأسهم نوعا آخر من أنواع إثبات الملكية. وتوجد فى المحليات مكاتب للسجل العقارى لتسجيل ملكية الأراضى مع الاحتفاظ "بسلسلة" ملكيتها لكى تتمكن الأطراف المعنية من التأكد من صحة الملكية.
وكذلك يعتبر استقلال القضاء من المسائل الأساسية. ويقوم المواطنون فى الولايات المتحدة برفع قضايا ضد الحكومة أمام القضاء تتعلق بالاستغلال الحكومى للأراضى والتقسيم إلى مناطق وأحياء والنزاعات التى تنشأ حول حق الاستيلاء العام أو اليد العليا. ومن الممكن أن يتم الدفاع عن حقوق الملكية التقليدية من خلال الاجراءات القانونية القوية. وخلاصة القول أنه لا يمكن للحكومة الحجز على الملكية دون محاكمة عادلة.
لال الاستشارات والندوات إلى موظفى الحكومات والشركات فى الدول التى تقوم بإصلاحات السوق.
يؤكد تاريخ الديمقراطيات الغربية على الدور المركزى الذى تلعبه حقوق الملكية فى النهوض بالتنمية الاقتصادية والسياسية. ومن الممكن استخدام الطريقة التى اتبعتها هذه الدول لحماية حقوق الملكية على مدى السنين الماضية كدليل لا يقدر بثمن للدول الأخرى التى تسعى إلى تطوير المؤسسات القانونية وغيرها من المؤسسات الأخرى حتى تؤسس أنظمة قوية للملكية الخاصة. ولهذه النقطة أهمية خاصة بالنسبة للاقتصادات التى تتجه نحو اقتصاد السوق الحر لأن نجاح إصلاحات السوق يتوقف على مدى تمسك الحكومة بالعناصر اللازمة لاستقرار الملكية الخاصة. أما المفاهيم والسياسات الحكومية الغامضة أو المتضاربة فإنها قد تعرض عملية الخصخصة لمخاطر وانتكاسات كبيرة. ولذلك أصبح من المحتم أن تفهم هذه الحكومات طبيعة الملكية الخاصة وأنواعها والقيود على تدخل الحكومة فى حقوق الملكية الخاصة.
يتسم مفهوم الملكية بالتعقيد فى أى نظام اقتصادى لأسباب كثيرة:
أولا:    إن الملكية لا تقتصر على ما هو مملوك فقط، لكنها حزمة من الحقوق والعلاقات التى تترتب عليها حقوق الملكية. ولذلك فإن ما يطلق عليه لفظ "الملكية" هو فى الواقع "حقوق الملكية". وهذه الحقوق هى التى تجيز للشخص استخدام الشيء المملوك والتمتع به والتخلص منه حسبما يراه مناسبا.
ثانيا:    إن الملكية تشتمل على مجال عريض من الأصول، بعضها أصول مادية كالأراضى والعقارات والبعض الآخر أصول معنوية مثل أسهم الشركات، والحقوق الفكرية، والسمعة التجارية للشركة. وحتى الحق فى اكتساب أسباب الرزق قد يدخل فى نطاق ملكية المصالح. وهناك مفاهيم أخرى للتملك أكثر تعقيدا، منها مختلف أشكال الملكية والمصالح مثل المشاركة فى الملكية، والضمانات، والرهن العقارى وحقوق استعمال العقارات (حقوق الارتفاق). وعلاوة على ذلك فإن نظرة المجتمع إلى الملكية تخضع للتغيير بمرور الوقت، والولايات المتحدة هى أكبر مثال على ذلك.
فى فترة تكوين الولايات المتحدة الأمريكية كانت أهمية حماية الملكية الخاصة تتصدر المناقشات حول حقوق المواطنين وسلطة الحكومة. ونتيجة لذلك قامت فلسفة الملكية التى تعتبر أساس النظام الأمريكى على أهمية الحريات الفردية، وتحديد سلطة الحكومة، وإطلاق حق الناس فى الملكية. هذا المفهوم الواسع للملكية تجاوزالملكية المادية للممتلكات الخاصة ليشمل حرية المصالح كما وضع حدود تدخل الحكومة فى ملكية مواطنيها، وهو ماعبر عنه جون لوك John Locke فى بحثين أعدهما عن الحكومة وكان لهما تأثير عميق على جيل الأباء الذين أسسوا الولايات المتحدة. ومنذ القرن السابع عشر ساهم جيمس هارينجتون المصلح الاجتماعى اليوتوبى ، وسير ويليام بلاكستون رجل القانون البريطانى المعروف فى وضع مفهوم الملكية. فبينما تصور هارينجتون مجتمعا تقوم العدالة فيه بصفة جزئية على التوزيع المتساوى للثروة، قال بلاكستون إن حق المالك فى استخدام ما يملكه ليس حقا مطلقا.

الحياة والحرية والملكية

دخلت هذه المفاهيم فى التعديل الخامس لدستور الولايات المتحدة الذى أحدث توازنا بين حقوق الملكية العامة والملكية الخاصة. وينص التعديل الخامس على أنه لا يجوز "حرمان أى شخص من الحياة أو الحرية أو الملكية إلا بالطرق القانونية، ولا يجوز نزع الملكية الفردية او الاستيلاء عليها للاستخدام العام دون تعويض عادل." ويتطلب الشرط الأول "إلا بالطرق القانونية" أن تكون الاجراءات عادلة.  أما الشرط الثانى الذى يعرف بـ "الاستيلاء" أو "حق الاستيلاء العام" فيتطلب أن تقدم الحكومة تعويضا عادلا عندما يؤدى تصرف أو تشريع حكومى إلى حرمان صاحب الملكية من استخدام ما يحوزه أو يمتلكه.
تسمى سلطة الحكومة على تنظيم الملكية الخاصة "سلطة الأمن العام Police Power"  ولا بد أن تكون ممارسة هذه السلطة وفقا للدستور والقوانين السارية.  وتعتبر اللوائح البيئية والعمرانية أمثلة لسلطة الحكومة على تنظيم أنشطة مالكى الأراضي. فمن المعتاد فى الولايات المتحدة أن يقوم أصحاب الأرض بتقديم طلبات إلى مجالس التنظيم العمرانى المحلية للحصول على تصاريح تغيير أسلوب استغلال الأراضى التى يمتلكونها.  إلا أن المجلس فى بعض الحالات قد يمنعهم من التصرف فى هذه الأراضى إذا كانت تتميز بجمال طبيعي خاص أو كانت تحتوى على موارد معينة. وليس لهؤلاء الملاك الحق المطلق فى استخدام أملاكهم كما يريدون إذا كان ذلك يلحق الضرر أو الأذى بأرواح الغير أو بممتلكاتهم، لدرجة أنه من الممكن أن يحصل المتجاوزون (الذين يدخلون اراضى الغير دون وجه حق) على تعويض قضائى مقابل الاصابات الناجمة عن أخطار يمكن التنبؤ بها. ومن ناحية أخرى، فإن المالك الذى يعترض على مصدر إزعاج كالمطار مثلا قد لا يحصل على تعويض قضائى أو أى تعويض آخر إذا كان المصدر موجودا قبل امتلاكه لتلك الأرض.
وما تزال مسألة سلطة الحكومة على الملكية الفردية فى الولايات المتحدة حتى يومنا هذا خاضعة للتفسير والتعديل بصفة مستمرة. ففى قرار مفاجئ صدر هذا العام، على سبيل المثال، قضت المحكمة العليا أن للولاية سلطة مصادرة الممتلكات الشخصية أو العقارية او سلطة الاستيلاء عليها اذا استخدمها الفرد فى نشاط اجرامى حتى ولو لم تكن الممتلكات مركزية بالنسبة للجريمة أو كانت ملكيتها مشتركة مع شخص آخر أو مع طرف برئ. ولا يعتبر هذا القرار انتهاكا لشرط ضمان استعمال الطرق القانونية  أو شرط الحصول من الحكومة على تعويض عادل.

المشاركة فى المنفعة

تبرز مسألة حقوق الملكية إلى المقدمة فى الدول التى تتحول إلى اقتصاد السوق الحر، لأن هذه الحقوق تعتبر من صميم خصخصة أصول الدولة. إلا أن هذه العملية معرضة للخطر فى دول مثل روسيا حيث لا يتم اقتسام المنفعة على نطاق واسع مع المواطنين.  فقد يكون إصدار الأسهم مثلا لمن كانوا يعملون فى مؤسسات كانت مملوكة للدولة مسألة تتماشى مع نص الخصخصة ولكنه بالتأكيد يختلف مع روحها. وفى نفس الوقت، هناك دول أخرى تعرضت فيها بعض المؤسسات العامة للنهب  بدلا من إعادة توزيع الممتلكات.
ونظرا لأهمية حقوق الملكية، يعتبر الفهم الأساسى لأنواع الملكية ضروريا لكى تتجنب الأسواق الناشئة الأخرى الوقوع فى مآزق مماثلة. وفيما يلى عرض مبسط لأربعة أنواع رئيسية من الملكية.
الملكية العقارية (أو الأموال الثابتة) Real property “realty”: هى الأرض بصفة عامة وما يوجد عادة فى الأرض أو عليها مثل النفط والغاز والمعادن والأشجار. ولأن الأرض تعتبر من الناحية العاطفية بمثابة "الروح" بالنسبة للأمة فإن كثيرا من الحكومات التى أصبحت الآن تسمح بالملكية الخاصة للأرض لا تبيح للأجانب أن يتملكوها.
و بالاضافة إلى البيع، هناك استعمالات اقتصادية أخرى للأرض مثل الإيجار. فلو قام مالك الأرض بتأجيرها لمستأجر أصبح يشغلها بالفعل فإن هذا التصرف قد يثير قضايا تتعلق بالملكية فى مقابل الحيازة. فمالك الشقة الذى قام بتأجيرها مثلا لا يتمتع بالحق المطلق فى دخولها. وبالتالى، من الضرورى أن تضع الدول قواعد واضحة المعالم لا تتوقف فقط عند عمليات بيع وشراء وتعمير الأراضى بل تشمل ايضا الإيجار والتأجير. هذه القواعد لا توجد فى فيتنام مثلا حيث تسمح الحكومة للأفراد والشركات بتأجير الأراضى وهى، طبقا للقانون، ملك الشعب. ورغم ذلك لا يحق للمستأجرين استخدام شهادات حق استغلال الأراضى كضمان مقابل الحصول على قروض.
بالإضافة إلى التأجير، يجوز للأفراد الحصول على حقوق استعمال الأراضى (أو حقوق الارتفاق) مثل الطرق التى تجتاز أرضا مملوكة للغير. وهذا الحق لا يمثل ملكية، ولكنه يمثل منفعة أو مصلحة فى الأرض تعطى الشخص حق دخول أرض الغير لغرض محدد. وهذا الوضع يشبه إلى حد كبير منح ترخيص لاستعمال علامة تجارية.
الملكية كأداة ضمان Property as Collateral: تلعب الملكية فى اقتصاد السوق دورا رئيسيا لمساعدة الأفراد والمؤسسات على الحصول على تمويل. ويحصل المقرض على ضمان لحقه فى الأرض المملوكة للمقترض حسب شروط العقد. وفى هذه الحالة تسمى هذه الأرض "الضمان الإضافى collateral" . ويمكن ضمان القروض العامة بأى أصول يقبلها المقرض كالسيارات أو المجوهرات. وكذلك يمكن استخدام الممتلكات الشخصية "المنقولات" كضمان إضافى. ويمكن تعريف المنقولات بصفة عامة على أنها ممتلكات ليست عقارية وتوصف فى الغالب بالسلع. أما "الأموال المنقولة chattels" فتعتبر ممتلكات شخصية مادية.
وفى حالة قروض الاسكان يتم ضمان القرض عن طريق "الرهن". والرهن هو قيد يفرض على ملكية المدين العقارية التى هى موضوع الدين. ويمكن أن يؤدى الفشل فى التسديد وانتهاك عقد الرهن إلى حصول المقرض (البنك أو شركة الرهن المصرفى) على حق الحيازة والملكية التامة للمسكن من خلال عملية إسقاط الحق والمصادرة.
أصبحت القروض المضمونة أكثر انتشارا فى الدول التى كانت شيوعية. إلا أن بعض هذه القروض أثارت فى روسيا موجة من الخلافات حول بعض حالات الخصخصة التى تمت مؤخرا والتى تمت هيكلتها كقروض بدلا من شراء حقوق الملكية فى الشركات التى كانت مملوكة للدولة ثم تم بيعها. وبدلا من شراء حقوق الملكية، قدم المستثمرون المهتمون قروضا للحكومة الروسية بضمان أسهم فى رأسمال الشركات التى تمت خصخصتها. وأصبح من حق المقرضين الاستيلاء على أسهم رأس مال تلك الشركات فى سبتمبر 1996 إذا لم تتمكن الحكومة الروسية من تسديد ديونها. ويرى كثير من الروس أن تلك الصفقات وأمثالها كانت تتم بطريقة غير سليمة لتسهيل حصول البنوك والشركات على ملكية تلك الشركات التى يباركها موظفو الحكومة.
الملكية الاعتبارية corporate ownership: حق الملكية فى شركة مدرجة فى سجل الشركات يمكن أن يخول الحق فى نوعين مختلفين من الملكية: الأصول المادية (الملموسة) أو الأصول المعنوية (حصص رأس المال). وتصبح الملكية المعنوية ملكا لحامل الأسهم وهو حر فى بيع أسهمه لمن يشتريها ما لم يكن هناك اتفاق يمنع تحويلها. (وينتشر استعمال هذا المنع فى الشركات الصغيرة التى يريد مؤسسها أن يعرفوا الزملاء الذين سيشاركونهم فى ملكية الشركة وأن يوافقوا عليهم). ويؤدى عرض و/أو بيع حصص رأس المال فى الولايات المتحدة إلى استخدام قوانين مشددة للأوراق المالية، وهذه القوانين فى جوهرها عبارة عن اجراءات القصد منها حماية المستهلك.
الملكية الفكرية intellectual property  : فى الاقتصاد العالمى المتزايد أصبحت حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق الاختراع والعلامات التجارية وحقوق التأليف أحد الأصول القيمة التى تزداد أهميتها باستمرار. ويؤدى نقص التنظيم إلى فقدان الحافز لتطوير العلامات والأعمال الأدبية والاختراعات. ولهذا السبب تصمم حقوق الملكية الفكرية لحماية قيمة الأصول، وتتم حمايتها فى الولايات المتحدة عن طريق القوانين المحلية. أما على الصعيد الدولى فإن حمايتها تتم من خلال مختلف الترتيبات ومنها معاهدتى بيرن وباريس واتفاقية مدريد.
زادت الأهمية الحالية للملكية الفكرية حتى أصبحت أداة مخففة للخلافات التجارية الدولية. ومن أمثلة ذلك الخلاف الذى نشب بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية حيث هددت واشنطون مؤخرا بفرض عقوبات تجارية ضد الصين تقدر بنحو 1.08 بليون دولار، وهى أكبر عقوبة تجارية لوحت بها الولايات المتحدة. وهناك مثال آخر وهو تسوية قضية الخلاف التى رفعتها الولايات المتحدة ضد اليابان بسبب اتهامها بالقرصنة والقيام بالتسجيلات الصوتية منذ 1946 حتى 1971 باعتبار ذلك انتهاكا لاتفاقية جولة أوروجواى حول الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية. وكذلك يتضمن قانون التجارة الأمريكى (الجزء 301) نصا يتطلب التعرف كل سنة على الدول التى لا توفر الحماية الفعالة لحقوق الملكية الفكرية وعلى الدول التى توجد فيها ممارسات واجراءات تضر بمصالح الولايات المتحدة وتعتبر مكلفة بالنسبة لها. ومن الممكن أن يترتب على ذلك اجراء تحقيق تلقائى بموجب الجزء رقم 301 فى إطار زمنى قصير مع تحديد مواعيد نهائية للتحقيق والرد بالمثل.

التشريع.. أحد مكونات إنفاذ الملكية الفكرية

التشريع هو أحد مكونات إنفاذ الملكية الفكرية، ولكى يكون قانون الملكية الفكرية مؤثرا لا بد أن يكون هناك ترابط منطقى بينه وبين نطاق أوسع من القوانين المدنية والجنائية، وأن يقوم عليه محامون مدربون على هذا المجال القانونى، وأن تعمل على إنفاذه كيانات حكومية.

أنفاذ القوانين هو الأساس

لكى تكون القوانين مؤثرة، لابد من إنفاذها. ولذلك لا بد أن تكون للحكومة مؤسسات وآليات لحماية الملكية الخاصة.  ففى الولايات المتحدة على سبيل المثال توجد أنواع مختلفة من آليات إثبات الملكية فى مختلف الظروف. وهناك سجل فيدرالى لملكية الحقوق الفكرية للعلامات التجارية، والمواد المحمية بحق الطباعة، وبراءات الاختراع. ويتم الحصول على سند الملكية كدليل على ثبوت ملكية العقارات والسيارات. كما تعتبر شهادات الأسهم نوعا آخر من أنواع إثبات الملكية. وتوجد فى المحليات مكاتب للسجل العقارى لتسجيل ملكية الأراضى مع الاحتفاظ "بسلسلة" ملكيتها لكى تتمكن الأطراف المعنية من التأكد من صحة الملكية.
وكذلك يعتبر استقلال القضاء من المسائل الأساسية. ويقوم المواطنون فى الولايات المتحدة برفع قضايا ضد الحكومة أمام القضاء تتعلق بالاستغلال الحكومى للأراضى والتقسيم إلى مناطق وأحياء والنزاعات التى تنشأ حول حق الاستيلاء العام أو اليد العليا. ومن الممكن أن يتم الدفاع عن حقوق الملكية التقليدية من خلال الاجراءات القانونية القوية. وخلاصة القول أنه لا يمكن للحكومة الحجز على الملكية دون محاكمة عادلة.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

جوان-2012

Review www.molta9a-arab.blogspot.com on alexa.com

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م